وبالجملة: اختيارية الفعل منوطة بالتصور، والتصديق، والميل، والإرادة، ولكن تلك الأمور قد تحصل بصورة مفصلة ملتفت إليها، وقد تحصل بالارتكاز والإجمال، نظير الإرادات الحاصلة بالنسبة إلى المقدمات المنتهية إلى وجود ذي المقدمة، مع أن تلك المقدمات مورد التصور والتصديق والإرادة ارتكازا، فلا تخلط. ويكفي لاختيارية هذا الفعل جواز العقوبة عليه، إذا كان شرب الماء ممنوعا لأمر النذر وغيره، وكان قطعه من سوء اختياره، فإنه قد مر: أن من القطع ما لا يكون معذرا (1).
ثم إن ما ذكره (قدس سره) لا يورث عدم إمكان الفعل المتجرى به بالتحريم أو المنقاد به بالوجوب إلا في القطع، دون سائر الطرق والأمارات، وقد عرفت أن النزاع في التجري أعم (2)، فافهم.
فتحصل: أن إنكار اتصاف الفعل المتجرى به بالقبح - بدعوى أنه غير اختياري - في غير محله قطعا.
نعم، هو لا يوصف بالقبح ولا التجري إلا لأجل الظلم، والظلم في التجري لو سلم كونه قابلا للتطبيق، ولكنه في الفعل المتجرى به غير قابل للتطبيق، كما هو الواضح.
ولنا المناقشة في كون التجري ظلما، فضلا عن الفعل المتجرى به، وذلك لأن معنى الظلم هنا يرجع إلى أنه تجاوز إما على الحرام الشرعي، أو تجاوز على النفس، لاستتباعه العقوبة، وكل واحد منهما غير ثابت بعد، فيلزم الدور، لأن ظلمية التجري موقوفة على استتباعه الهتك أو العقوبة، والهتك موقوف على كونه محرما، والعقوبة منوطة بأن يكون التجري ظلما، كما لا يخفى.
فإنكار القبح بإنكار الظلم بالقياس إلى الفعل المتجرى به صحيح. بل بالقياس