فالذي هو الحق في هذا الميدان: هو أن العقاب والثواب إما يكونان مجعولين، أو يكونان ملازمين للأفعال السيئة التي كشف عنها الشرع:
فإن قلنا في هذه المسألة بالجعل، فلا معنى لاستحقاق العقوبة على الظلم - بما هو ظلم - إلا بعد جعل الشرع عقابا عليه، وحيث إنه ليس في الشريعة لعنوان الظلم عقاب مجعول، بل العقاب مجعول على العناوين الخاصة - كعنوان الغصب، والقتل، وضرب اليتيم، وأكل مال الغير، وقطع الطريق، وأمثال ذلك - فلا معنى لاستحقاق العقوبة على الظلم بما هو ظلم، بل العبد إذا ارتكب إحدى المحرمات الشرعية، يستحق العقوبة عليها بالضرورة، كما هو الواضح.
وما ترى من التحذير من الظلم في الآيات، فهو - بناء على هذا - يرجع إلى التحذير مما هو المحرم شرعا، والمجعول عليه العقاب، ضرورة أنه لو كان للغصب عقاب، ولشرب المسكر عقاب، وللظلم عقاب، يلزم تعدد العقاب.
مع أن جعل العقاب على الظلم، لا يمكن إلا باعتبار تحريم الظلم شرعا، وتحريمه ممتنع، ضرورة أنه يلزم اجتماع الإرادتين التأسيسيتين المستقلتين في مثل الغصب وغيره، لأنه باعتبار الغصب منهي، وباعتبار الظلم منهي بنهي آخر، وهذا لا يعقل إلا بين العناوين التي بينها العموم من وجه، وبين الظلم والغصب وسائر العناوين المحرمة، عموم وخصوص مطلق، وقد مر منا توضيح امتناعه بما لا مزيد عليه مرارا (1).
فبالجملة: لو كان العقاب من المجعولات الشرعية (2)، فاستحقاق العقوبة على الظلم تابع جعل المولى، وهذا غير ممكن بالنسبة إلى عنوان الظلم، إلا بأن يرجع جميع المحرمات إلى حرمة الظلم، وهذا مما لا يلتزم به أحد، فحرمة الظلم -