مصالحه " أو " أوقعه في مفاسد " فلا يكون في البين إلا الامتحان الذي لم ينجح العاصي والمتجري فيه على حد سواء، وتبين أنهما جريئان على مولاهما وسيدهما على حد سواء.
ففي الصورة المشار إليها التي لا أمر فيها ولا نهي، ولا إفساد عليه ولا تفويت، يكون شئ واحد يشترك فيه الصنفان: العاصي، والمتجري، وما اشتهر في هذا الباب (1) ناشئ من قياس المولى الحقيقي بالموالي العرفيين.
وتندفع هذه الشبهة على التقريب المزبور: بأن الإصابة واللا إصابة - بمعنى الانطباق واللا انطباق - قهريان، ولكن الضرورة قاضية بأنه إذا بنى العبد على أن يشرب المسكر، ويقتل النفس المحترمة، وكان بصدد تطبيق ما أدركه على الخارج، وصادف الواقع، يكون ما صدر منه - وهو الشرب والقتل - اختياريين بالقطع، فلا ينبغي الخلط بين مفهوم الانطباق، وما هو مقصود العاصي وهو التطبيق، لأنه بذلك - وهو التطبيق - يصل إلى مرامه ومقصوده، وغاية فعله، والغرض من حركته نحو الشرب والقتل.
فما هو المحرم واقعا هو الشرب والقتل، وعليهما الاستحقاق، للمخالفة وبحكم العقل الضروري، ويكون المحرم المزبور خارجيا، ويصير في الخارج بإيجاده وإرادته وقصده وتطبيقه، فما اشتهر: " من أن الإصابة ليست اختيارية " (2) من الغلط الواضح، لأن مبادئها اختيارية.
ومن هنا يظهر: أن إنكار الأوامر والنواهي، والعقوبة على التخلف عنها - بتوهم لا اختيارية الواقع - في غير محله.