بما هو هو - ممتنعة، واستحقاق العقوبة عليه - حسب هذا المبنى في العقاب - ممتنع أيضا، فاغتنم.
فتحصل: أن تشكيل القياس على الوجه الذي مر توضيحه، غير تام.
وكان ينبغي أن يتشكل هكذا: " وهو أن التجري ظلم، والظلم يستتبع العقوبة عقلا " أو " الظلم الذي يدرك قبحه يستتبع العقوبة " أو " القبح العقلي - وهو الظلم فقط، لا الأمر الآخر - يستتبع العقوبة، فالتجري يصح العقاب عليه ".
وقد عرفت ممنوعية الكبرى لو كان استتباع العقاب، بمعنى أن الظلم والقبح العقليين، يستتبعان العقاب المجعول عليهما، وقد تبين أنه لا عقاب مجعول على عنوان الظلم، ولا المقبح العقلي في الشريعة، ولا يمكن ذلك.
ولو أريد من " استتباع العقاب " أن العقل يرى صحة العقوبة عليه وإن لم يكن مجعولا في الشريعة، ولم يخبر به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) فإنه أيضا من العقاب الجعلي، إلا أنه جعلي غير مجعول في الشريعة، في قبال القول: بأن العقاب من تبعات الأعمال والأخلاق، ومن تجسم الأفعال والأفكار (2)، فالحق أيضا أنه غير تام، وذلك لأنه في الشريعة تكون العقوبات - كثيرا ما - مجعولة على المحرمات مثلا، والعبد يستحقها عند التخلف، سواء أدرك قبح الظلم، أم لم يدرك، وسواء أدرك صحة العقوبة على القبيح، أم لم يدرك، فإنه إذا أدرك لزوم اتباع النواهي والمحرمات الإلهية مثلا، فإن تخلف وعصى يستحق المجعول عند كافة العقول، إلا الأشعري، فإنه يمنع ذلك، لإنكاره الاختيار عقلا، ويرى ذلك عرفا وعقلا (3).