فلو كان ارتكاب المقبح العقلي والظلم مستلزما لجواز العقاب، يلزم تعدد الاستحقاق فيما إذا عصى سيده، ضرورة أن ارتكاب المحرم الشرعي، يوجب عقوبة مجعولة في الشريعة، وارتكاب الممنوع العقلي - وهو العصيان - يوجب عقابا آخر، وهذا مما لا يمكن الالتزام به، فدعوى أن درك القبح العقلي يلازم درك جواز العقاب، غير تامة.
وأما قول الأشعري: بأن المحرم الشرعي هو القبيح العقلائي، وليس شئ آخر قبيحا (1)، فهو واضح الفساد، ولا ينفع في المقام.
ويقرب منه القول: بأن استحقاق العقوبة على العصيان، لا يستتبع إلا العقاب المجعول (2)، لأنه من تخصيص القاعدة العقلية.
وهذا هو المراد من " التداخل " في كلام بعضهم (3)، ولو أريد من " التداخل " هو التهاتر القهري فهو واضح المنع، لأن العقاب الجعلي لا يعقل تداخله القهري، بعد اختلاف العناوين، وموجبات الاستحقاق.
فتحصل لحد الآن: أن إثبات استحقاق العقوبة على المقبح العقلي الذي هو الظلم المدرك قبحه، ولا شئ آخر قبيحا إلا لأجل كونه ظلما، فيكون لأجل الظلم مستتبع العقوبة، في غاية الامتناع، ضرورة أنه في الشريعة ربما يكون مثل الغصب والقتل، محرما شرعا وظلما، فلو كان القول المعروف صحيحا، للزم أن يستحق العبد العقوبة ثلاث مرات: مرة على الغصب، ومرة على الظلم الذي هو الغصب والقتل، ومرة على العصيان، بل ومرة رابعة على عصيان الرسول الباطني، وهو العقل حيث منعه عن الغصب بما أنه ظلم، وخامسة: على هتك المولى، بخرق حجابه، والدخول