الردع وقلع مادة الفساد خارجا، فهو ليس دأب الشرع في مرحلة التقنين، فعليه كما تكون السيرة على القمار قبل الاسلام إلى أن طلع الاسلام، ويكون باقيا إلى زماننا، ومع ذلك يردع عنه الشرع بقوله تعالى: * (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1) كذلك الأمر هنا، فإن السيرة العملية باقية ودائمية وقديمة، إلا أن الشرع ربما أظهر عدم رضاه بها بهذه الآية، فالآية رادعيتها موقوفة على كون إطلاقها مرادا، وإذا كان الأمر كذلك، يتبين عدم رضا الشرع بتلك السيرة العملية ولو كانت متعارفة بين المتشرعة الجاهلين بالأمر.
وإن شئت قلت: الكلام هنا في أدلة النافين، والمفروض عدم قيام الدليل على حجية الخبر الواحد، بل المفروض عدم حجيته حسب الأصل، ويكون ذكر هذه الأدلة تأييدا لذلك الأصل، وتأكيدا له، وتكون في قوة معارضة الأدلة المثبتة على وجه لا يتمكن المثبت من الخروج عن مقتضى الأصل الأولي المزبور بالتخصيص والتقييد، وعلى هذا يكون النظر إلى السيرة نظر الشك في كونها ممضاة، وعندئذ تصلح الآيات للردع عنها بالضرورة.
ولو قلنا: بأن السيرة حجة، وإنما الردع يمنع عنها، فإن الآيات تمنع، فما في كلام العلامة الأراكي (قدس سره) هنا (2)، لا يخلو من تأسف. كما أن توهم الدور غير جائز، وسيمر عليك بعض الكلام حوله عند تقريب أدلة المثبتين، ووجه تمامية استدلالهم بالسيرة (3).
بقي شئ: لو أقر المنكر بوجود السيرة العملية على العمل بالخبر الواحد عند طلوع الاسلام، فعدم ردع الشرع دليل اعتبارها، وعندئذ لا يمكن أن تكون