إلى مخصص، فبأي جهة قدموا العمل، بأدلة الحجر، وخصصوا بها تلك الأدلة، مع أن الأمر عند النظر بعين التحقيق إنما هو بالعكس، فإن أدلة الحجر كما عرفت لا عموم فيها، كما يدعونه على وجه تشتمل هذه الأمور ونحوها وحينئذ فيجب العمل بتلك الأخبار الدالة على وجوب الوفاء لهذه الأمور وما يترتب عليها، وبذلك يظهر لك أن حكمهم بكون النذر بالصدقة بمال معين باطلا، وكذا كونه موقوفا لو نذر التصدق بمال في الذمة في محل المنع، لعدم الدليل عليه مع قيام الأدلة على الصحة كما عرفت.
والاستناد في منع تلك ذلك إلى أنه لو صح تصرفه كذلك لأمكن أن يجعل ذلك وسيلة إلى ذهاب ماله، لأن مقتضى السفه يوجب صرفه إلى ما لا ينبغي مردود بأن السفيه ليس مجنونا يصرف ماله فيما لا يشعر به، بل غاية أمره أنه لسفهه وعدم خوف الله عز وجل يصرف أمواله في المصارف المحرمة الموجبة للذاته كالزنا وشرب الخمر ونحو ذلك من المصارف التي يتلذذ بها. وحينئذ فكيف يصير صرفه المال في النذر والصدقة والكفارة وسيلة إلى صرفه فيما لا ينبغي، وكيف تصير هذه الأشياء مما لا ينبغي، وهي عبادات يترتب عليها الأجر والثواب وهو مكلف عاقل قد يريد الثواب والأجر وإن كان سفيها في بعض أموره، على أنا قد اعتبرنا تولي الولي لذلك، وعدم تمكينه من المال كما تقدم.
وأما ما ذكروه في المسالك في الجواب عن دليل القول الثاني من الفرق، ففيه أنه كما أن الزكاة قد أوجبه الله سبحانه كذلك الكفارة قد أوجبها لأنه مكلف مخاطب بالأحكام وليس بمجنون يسقط عنه التكليف، فإنه لا خلاف في كون يمينه مشروعة ولازمة له، وأنه بالحنث تجب عليه الكفارة كما في غيره من المكلفين، وحينئذ فلما حنث أوجب الله عليه الكفارة كما أوجب عليه الزكاة، وكون السبب في ايجابها الحنث الذي هو من المكلف لا يمنع من تعلق حكم الوجوب بها، وأن المطالب بها هو الله عز وجل، كما يطلب بالزكاة ونحوها، على أن من جملة المعدودات التي وافق على وجوبها الكفارة التي سبق وجوبها الحجر، فإن