الدنيا والآخرة، عن الجبائي (ويكفر عنكم سيئاتكم) التي عملتموها (ويغفر لكم) ذنوبكم (والله ذو الفضل العظيم) على خلقه بما أنعم عليهم من أنواع النعم، فإذا ابتدأهم بالفضل العظيم من غير استحقاق، كرما منه وجودا، فإنه لا يمنعهم ما استحقوه بطاعاتهم له. وقيل معناه: إذا ابتدأ بنعيم الدنيا من غير استحقاق، فعليه إتمام ذلك بنعيم الآخرة باستحقاق، وغير استحقاق.
النظم: قيل: اتصلت الآية بأول السورة من الأمر بالجهاد، وتقديره: إن تتقوا الله، ولم تخالفوه فيما أمركم به من الجهاد، يجعل لكم فرقانا. وقيل: إنه لما أمر بالطاعة وترك الخيانة، بين بعده ما أعده لمن امتثل أمره في الدنيا، والآخرة.
وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين 30.
اللغة: المكر: الميل إلى جهة الشر في خفية. قال الأزهري: المكر من الناس خب وخداع، ومن الله جزاء. وأصل المكر: الالتفاف، من قولهم جارية ممكورة، قال ذو الرمة:
عجزاء ممكورة، خمصانة قلق عنها الوشاح، وتم الجسم والقصب (1) أي: ملتفة. والفرق بين المكر والغدر أن الغدر نقض العهد الذي يجب الوفاء به، والمكر قد يكون ابتداء من غير عقد. والإثبات: الحبس، يقال: رماه فأثبته أي حبسه مكانه، وأثبته في الحرب: إذا جرحه جراحة مثقلة.
النزول: قال المفسرون إنها نزلت في قصة دار الندوة وذلك أن نفرا من قريش اجتمعوا فيها، وهي دار قصي بن كلاب، وتآمروا في أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عروة بن هشام: نتربص به ريب المنون، وقال أبو البختري: أخرجوه عنكم تستريحوا من أذاه، وقال أبو جهل: ما هذا برأي، ولكن اقتلوه بأن يجتمع عليه من كل بطن رجل، فيضربوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، فيرضى حينئذ بنو هاشم بالدية، فصوب إبليس هذا الرأي، وكان قد جاءهم ني صورة شيخ كبير من أهل