ثم اختلف في إصابة هذه الفتنة على قولين: أحدهما: إنها جارية على العموم، فتصيب الظالم وغير الظالم. أما الظالمون فمعذبون، وأما المؤمنون فممتحنون ممحصون، عن ابن عباس، وروي أنه سئل عنها فقال: أبهموا ما أبهم الله. والثاني: إنها تخص الظالم لأن الغرض منع الناس عن الظلم، وتقديره: واتقوا عذابا يصيب الظلمة خاصة. ويقويه قراءة من قرأ (لتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) باللام، فإنه تفسيره على هذا المعنى، وقيل: إن (لا) في قوله (لا تصيبن) زائدة، ويجوز أن يقال: إن الألف في (لا) لإشباع الفتحة على ما تقدم ذكره. قال أبو مسلم: تقديره إحذروا أن يخص الظالم منكم بعذاب، أي: لا تظلموا فيأتيكم عذاب لا ينجو منه إلا من زال عنه اسم الظلم.
(واعلموا أن الله شديد العقاب) لمن لم يتق المعاصي. وروى الثعلبي بإسناده عن حذيفة، أنه قال: أتتكم فتن كقطع الليل المظلم، يهلك فيها كل شجاع بطل، وكل راكب موضع، وكل خطيب مصقع (1). وفي حديث أبي أيوب الأنصاري: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعمار: يا عمار! إنه سيكون بعدي هنات، حتى يختلف السيف فيما بينهم، وحتى يقتل بعضهم بعضا، وحتى يبرأ بعضهم من بعض، فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني، علي بن أبي طالب عليه السلام، فإن سلك الناس كلهم واديا، وسلك علي واديا، فاسلك وادي علي، وخل عن الناس. يا عمار! إن عليا لا يردك عن هدى، ولا يدلك على ردى. يا عمار! طاعة علي طاعتي، وطاعتي طاعة الله، رواه السيد أبو طالب الهروي، بإسناده عن علقمة والأسود، قالا: أتينا أبا أيوب الأنصاري الخبر بطوله. وفي كتاب (شواهد التنزيل) للحاكم أبي القاسم الحسكاني: وحدثنا عنه أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني، قال حدثني محمد بن القاسم بن أحمد، قال: حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضيل بن محمد، قال: حدثنا محمد بن صالح العرزمي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: حدثنا أبو سعيد الأشج، عن أبي خلف الأحمر عن إبراهيم بن طهمان، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية (واتقوا فتنة) قال: (قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد بنبوتي، ونبوة الأنبياء قبلي).