القراءة: قرأ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وزيد بن ثابت، وأبو جعفر الباقر عليه السلام، والربيع بن أنس، وأبو العالية: (لتصيبن) والقراءة المشهورة:
(لا تصيبن).
الحجة: قال ابن جني: معنى هاتين القراءتين ضدان كما ترى، لأن إحداهما (لتصيبن الذين ظلموا) خاصة، والأخرى (لا تصيبنهم). ويمكن أن يكون حذفت الألف من (لا تصيبن) تخفيفا، واكتفي بالفتحة منها، كما قالوا: أم والله ليكونن كذا، فحذفوا ألف أما. وذهب أبو عثمان في قوله: يا أبت، بفتح التاء أنه أراد: يا أبتا، فحذف الألف تخفيفا، فإن قلت: فهل يجوز أن نحمله على أنه أراد لتصيبن، ثم أشبع الفتحة، فأنشأ عنها ألفا، كقول عنترة: (ينباع من ذفرى غضوب جسرة) (1) أراد ينبع، ومثله قول ابن هرمة:
فأنت من الغوائل حين ترمى *، ومن ذم الرجال بمنتزاح (2) أي: بمنتزح. قيل: قوله تعالى فيما يليه (واعلموا أن الله شديد العقاب) أشبه بما ذكرناه، وأما الوجه في قوله: (لا تصيبن) فقد قال الزجاج: زعم بعض النحويين أن هذا الكلام جزاء خبر، وفيه طرف من النهي. فإذا قلت: أنزل عن الدابة لا تطرحك، أو لا تطرحنك، فهذا جواب الأمر بلفظ النهي، والمعنى أنزل ان تنزل عنه لا تطرحك. فإذا أتيت بالنون الخفيفة أو الثقيلة كان أوكد للكلام، ومثله قوله تعالى (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان) والمعنى: إن تدخلوا لا يحطمنكم. ويجوز أن يكون نهيا بعد أمر، فيكون المعنى اتقوا فتنة ثم نهى بعده فقال (لا تصيبن الفتنة الذين ظلموا) أي: لا تتعرضن الذين ظلموا لما ينزل بهم معه العذاب، ويكون بمعنى يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، أنها أمرت بالدخول، ثم نهتهم أن يحطمنهم سليمان، فقالت: لا يحطمنكم سليمان وجنوده، فلفظ النهي لسليمان، ومعناه للنمل، كما تقول: لا أرينك هاهنا.
قال أبو علي: إنه حكى القول الأول على جهة احتمال الآية كاحتمالها للقول