وقيل: إنهم ماتوا ثم أحياهم الله، وجعلهم أنبياء، وقال وهب: لم تكن تلك الرجفة موتا، ولكن القوم لما رأوا تلك الهيئة، أخذتهم الرعدة، فقلقلوا ورجفوا، حتى كادت تبين منهم مفاصلهم، وتنقض ظهورهم. فلما رأى ذلك موسى رحمهم، وخاف عليهم الموت، واشتد عليه فقدهم، وكانوا وزراءه على الخير، سامعين له مطيعين، فعند ذلك دعا، وبكى، وناشد ربه، فكشف الله عنهم تلك الرجفة والرعدة، فسكنوا واطمأنوا، وسمعوا كلام ربهم (قال) أي: قال موسى (رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي) أي: لو شئت أهلكت هؤلاء السبعين من قبل هذا الموقف، وأهلكتني معهم، فالآن ماذا أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) معناه النفي، وإن كان بصورة الانكار، والمعنى: إنك لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا، فبهذا نسألك رفع المحنة بالإهلاك عنا، وما فعله السفهاء هو عبادة العجل، ظن موسى أنهم أهلكوا لأجل عبادة بني إسرائيل العجل، فهم السفهاء. وقيل: هو سؤال الرؤية عن جماعة من المفسرين (إن هي إلا فتنتك) معناه: إن الرجفة إلا اختبارك، وابتلاؤك، ومحنتك، أي: تشديدك التعبد والتكليف علينا بالصبر على ما أنزلته بنا، عن سعيد بن جبير، وأبي العالية، والربيع، ومثله قوله: (أولا يرون انهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) يعني بذلك الأمراض والأسقام التي شدد الله بها التعبد على عباده، وإنما سمي ذلك فتنة، لأنه يشتد الصبر عليها، ومثله (ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) أي: لا ينالهم شدائد الدنيا. وقيل: إن المراد إن هي إلا عذابك، عن ابن عباس. وقد سمى الله العذاب فتنة في قوله (يوم هم على النار يفتنون) أي: يعذبون، فكأنه قال ليس هذا الإهلاك إلا عذابك لهم بما فعلوه من الكفر، وعبادة العجل، أو سؤالهم الرؤية.
(تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) أي: تصيب بهذه الرجفة من تشاء، وتصرفها عمن تشاء، عن ابن عباس. وتقديره: تهلك بها من تشاء، وتنجي من تشاء. وقيل معناه: تضل بترك الصبر على فتنتك، وترك الرضاء بها من تشاء، عن نيل ثوابك، ودخول جنتك، وتهدي بالرضا بها، والصبر عليها، من تشاء (أنت ولينا) معناه: أنت ناصرنا والأولى بنا، تحوطنا وتحفظنا (فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) أي: خير الساترين على عباده، والمتجاوزين لهم عن جرمهم.