الأول في المعنى.
المعنى: ثم وصف سبحانه، الذين يتقون بصفة أخرى، فقال: (الذين يتبعون الرسول النبي) أي: يؤمنون به، ويعتقدون بنبوته، يعني نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم (الأمي) ذكر في معناه أقوال أحدها أنه الذي لا يكتب ولا يقرأ وثانيها:
إنه منسوب إلى الأمة، والمعنى أنه على جبلة الأمة قبل استفادة الكتابة. وقيل: إن المراد بالأمة العرب، لأنها لم تكن تحسن الكتابة وثالثها: إنه منسوب إلى الأم، والمعنى إنه على ما ولدته أمه قبل تعلم الكتابة ورابعها: إنه منسوب إلى أم القرى، وهي مكة، وهو المروي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام.
(الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل) معناه: يجدون نعته وصفته ونبوته، مكتوبا في الكتابين، لأنه مكتوب في التوراة، في السفر الخامس:
(إني سأقيم لهم نبيا من إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فيه فيقول لهم كل ما أوصيه به) وفيها أيضا مكتوب: (وأما ابن الأمة، فقد باركت عليه جدا جدا، وسيلد اثني عشر عظيما وأؤخره لأمة عظيمة) وفيها أيضا (أتانا الله من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من جبال فاران). وفي الإنجيل بشارة بالفارقليط في مواضع منها: (نعطيكم فارقليط آخر يكون معكم آخر الدهر كله). وفيه أيضا قول المسيح للحواريين: (أنا أذهب، وسيأتيكم الفارقليط روح الحق، الذي لا يتكلم من قبل نفسه، إنه نذيركم بجميع الحق، ويخبركم بالأمور المزمعة، ويمدحني ويشهد لي) وفيه أيضا: (إنه إذا جاء فند أهل العالم) (1).
(يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) يجوز أن يكون هذا مكتوبا في التوراة والإنجيل، ويكون موصولا بما قبله، وبيانا لمن يكتب له رحمة الولاية والمحبة، ويجوز أن يكون ابتداء من قول الله تعالى مدحا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمعروف: الحق، والمنكر: الباطل، لأن الحق معروف الصحة في العقول، والباطل منكر الصحة في العقول. وقيل: المعروف: مكارم الأخلاق، وصلة الأرحام، والمنكر: عبادة الأوثان، وقطع الأرحام، عن ابن عباس. وهذا القول داخل في القول الأول (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) معناه: يبيح لهم