عن أبي علي الجبائي.
(وألقى الألواح) معناه أنه ألقاها لما دخله من شدة الغضب والجزع على عبادة قومه العجل، عن ابن عباس.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يرحم الله أخي موسى عليه السلام، ليس المخبر كالمعاين، لقد أخبره الله بفتنة قومه، وقد عرف أن ما أخبره ربه حق، وأنه على ذلك لمتمسك بما في يديه، فرجع إلى قومه ورآهم، فغضب وألقى الألواح) وقد تقدم ذكر ما قيل في الألواح (وأخذ برأس أخيه) يعني هارون.
(يجره إليه) قيل في معناه وجوه أحدها: إن موسى عليه السلام إنما فعل ذلك مستعظما لفعلهم، مفكرا فيما كان منهم، كما يفعل الانسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب، وشدة الفكر، فيقبض على لحيته، ويعض على شفته. فأجرى موسى عليه السلام أخاه هارون مجرى نفسه، فصنع به ما يصنع الانسان بنفسه عند حالة الغضب وشدة الفكر، عن أبي علي الجبائي. وهذا من الأمور التي تختلف أحكامها بالعادات، فيكون ما هو إكرام في موضع، استخفافا في غيره، ويكون ما هو استخفاف في موضع، إكراما في آخر. وثانيها: إنه عليه السلام أراد أن يظهر ما اعتراه من الغضب على قومه، لاكباره منهم ما صاروا إليه من الكفر والارتداد، فصدر ذلك منه للتألم بضلالهم، وإعلامهم عظم الحال عنده، لينزجروا عن مثله في مستقبل الأحوال، ذكره الشيخ المفيد أبو عبد الله بن النعمان وثالثها: إنه إنما جره إلى نفسه، ليناجيه ويستبرئ حال القوم منه، ولهذا أظهر هارون براءة نفسه. ولما أظهر هارون براءته دعا له ولنفسه ورابعها: إنه لما رأى بهارون مثل ما به من الجزع والقلق، أخذ برأسه متوجعا له، مسكنا فكرة هارون أن يظن الجهال ذلك استخفافا، فأظهر براءته، ودعا له موسى إزالة للتهمة وخامسها: إنه أنكر على هارون ما بينه في طه من قوله (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن) الآية، عن أبي مسلم.
(قال) يعني قال هارون (ابن أم) قال الحسن: والله لقد كان أخاه لأبيه وأمه، إلا أنه إنما نسبه إلى الأم، لأن ذكر الأم أبلغ في الاستعطاف (إن القوم استضعفوني) يعني إن القوم الذين تركتني بين أظهرهم، اتخذوني ضعيفا (وكادوا يقتلونني) أي: هموا بقتلي، وقرب أن يقتلوني لشدة إنكاري عليهم (فلا تشمت بي