الناقة، فلما أتياهما قالتا هذه المقالة لهما، فقالا: نحن نكون من وراء عقرها.
قالوا فانطلق قدار ومصدع، وأصحابهما السبعة، فرصدوا الناقة حين صدرت عن الماء، وقد كمن لها قدار في أصل صخرة على طريقها، وكمن لها مصدع في أصل أخرى، فمرت على مصدع، فرمى بسهم فانتظم به عضلة ساقها، وخرجت عنيزة وأمرت ابنتها، وكانت من أحسن الناس، فأسفرت لقدار ثم زمرته فشد على الناقة بالسيف، فكشف عرقوبها، فخرت ورغت رغاة واحدة، وتحذر سقبها، ثم طعن في لبتها، فنحرها، وخرج أهل البلدة واقتسموا لحمها وطبخوه. فلما رأى الفصيل ما فعل بأمه، ولى هاربا حتى صعد جبلا، ثم رغا رغاء تقطع منه قلوب القوم.
وأقبل صالح فخرجوا يعتذرون إليه، إنما عقرها فلان، ولا ذنب لنا! فقال صالح: أنظروا هل تدركون فصيلها، فإن أدركتموه فعسى أن يرفع عنكم العذاب.
فخرجوا يطلبونه في الجبل، فلم يجدوه، وكانوا عقروا الناقة ليلة الأربعاء، فقال لهم صالح: تمتعوا في داركم يعني: في محلتكم في الدنيا، ثلاثة أيام، فإن العذاب نازل بكم. ثم قال: يا قوم إنكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرة، واليوم الثاني تصبحون وجوهكم محمرة، واليوم الثالث وجوهكم مسودة.
فلما كان أول يوم أصبحت وجوههم مصفرة، فقالوا: جاءكم ما قال لكم صالح. ولما كان اليوم الثاني احمرت وجوههم، واليوم الثالث اسودت وجوههم.
فلما كان نصف الليل أتاهم جبرائيل عليه السلام فصرخ بهم صرخة، خرقت أسماعهم، وفلقت قلوبهم، وصدعت أكبادهم، وكانوا قد تحنطوا، وتكفنوا، وعلموا أن العذاب نازل بهم، فماتوا أجمعين في طرفة عين، صغيرهم وكبيرهم، فلم يبق الله منهم ثاغية، ولا راغية، ولا شيئا يتنفس إلا أهلكه. فأصبحوا في ديارهم موتى.
ثم أرسل الله إليهم مع الصيحة النار من السماء فأحرقتهم أجمعين، فهذه قصتهم.
وفي كتاب علي بن إبراهيم: فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة فهلكوا، وروى الثعلبي بإسناده مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (يا علي أتدري من أشقى الأولين؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم. قال: عاقر الناقة. قال: أتدري من أشقى الآخرين؟ قال