أنزلكم فيها، وجعل لكم فيها مساكن وبيوتا تأوون إليها (تتخذون من سهولها قصورا) والسهل: خلاف الجبل، وهو ما ليس فيه مشقة على النفس، أي: تبنون في سهولها الدور والقصور، وإنما اتخذوها في السهول، ليصيفوا فيها.
(وتنحتون الجبال بيوتا) قال ابن عباس: كانوا يبنون القصور بكل موضع، وينحتون من الجبال بيوتا يسكنونها شتاء لتكون مساكنهم في الشتاء أحصن وأدفأ، ويروى أنهم لطول أعمارهم يحتاجون إلى أن ينحتوا بيوتا في الجبال، لأن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم (فاذكروا آلاء الله) أي: نعم الله عليكم بما أعطاكم من القوة، وطول العمر، والتمكن في الأرض (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) أي: ولا تضطربوا بالفساد في الأرض، ولا تبالغوا فيه.
(قال الملأ الذين استكبروا) أي: تعظموا ورفعوا أنفسهم فوق مقدارها، بجحود الحق، للأنفة من اتباع الرسول الداعي إليه (من قومه) أي: من قوم صالح (للذين استضعفوا) أي: للذين استضعفوهم من المؤمنين (لمن آمن منهم) إنما ذكره لئلا يظن بالمستضعفين أنهم كانوا غير مؤمنين، لأنه قد يكون المستضعف مستضعفا في دينه، ولا يكون مؤمنا، فأزال الله سبحانه هذه الشبهة (أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) أي: هل تعلمون أن الله سبحانه أرسل صالحا (قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون) أي: مصدقون.
(قال الذين استكبروا) لهم حين سمعوا منهم الإيمان، والاعتراف بنبوة صالح (إنا بالذي آمنتم به) أي: صدقتم به (كافرون) جاحدون. ثم أخبر سبحانه عما فعله المستكبرون بقوله (فعقروا الناقة) أي: فنحروا الناقة. قال الأزهري: العقر عند العرب: قطع عرقوب البعير، ثم جعل النحر عقرا لأن ناحر البعير يعقره، ثم ينحره.
(وعتوا عن أمر ربهم) أي: تجاوزوا الحد في الفساد والمعصية (وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا) من العذاب على قتل الناقة، فقد قتلناها (إن كنت من المرسلين) ثم أخبر سبحانه بما حل بهم من العذاب بقوله (فأخذتهم الرجفة) أي الصيحة: عن مجاهد، والسدي. وقيل: الصاعقة. وقيل الزلزلة، أهلكوا بها، عن أبي مسلم. وقيل: كانت صيحة زلزلت بها الأرض. وأصل الرجفة: الحركة