قليلا ما تذكرون 3.
القراءة: قرأ ابن عامر: (يتذكرون) بياء وتاء. وقرأ أهل الكوفة، غير أبي بكر: (تذكرون) خفيفة الذال، وقرأ الباقون: (تذكرون) بتشديد الذال، والكاف.
الحجة: قال أبو علي: من قرأ (تذكرون) مشددة أراد تتذكرون، فأدغم التاء في الذال، وإدغامها فيها حسن، لأن التاء مهموسة، والذال مجهورة، والمجهور، أزيد صوتا وأقوى من المهموس، فحسن إدغام الأنقص في الأزيد، ولا يسوغ إدغام الأزيد في الأنقص. ما في قوله (ما تذكرون) موصولة بالفعل، وهي معه بمنزلة المصدر والمعنى: قليلا تذكركم، ولا ذكر في الصلة يعود إليها، كما لا يكون في صلة أن ذكر ومن قرأ (تذكرون) فإنه حذف التاء التي أدغمها من شدد الذال، وذلك حسن، لاجتماع ثلاثة أحرف متقاربة، ويقوي ذلك قولهم: اسطاع يسطيع، فحذفوا أحد الثلاثة المتقاربة. ومن قرأ (يتذكرون) بياء وتاء، فوجهه أنه مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أي: قليلا ما يتذكر هؤلاء.
اللغة: قد تقدم ذكر الحروف المقطعة في أوائل السور، في أول سورة البقرة، وذكرنا الأقوال في معانيها وإعرابها، فلا معنى لإعادتها، وبينا أن حروف الهجاء توصل على نية الوقف فرقا بينها وبين ما يوصل للمعاني. فعلى هذا متى سميت رجلا بالمص، وجبت الحكاية. وإن سميته بصاد، أو قاف، لم يجب ذلك، لأن صاد وقاف، لهما نظير في الأسماء المفردة، مثل باب ونار، وليس كذلك (المص) لأنه بمنزلة الجملة، إذ ليس له نظير في المفرد، وإنما عد الكوفيون (المص) آية، ولم يعدوا صاد، لأن (المص) بمنزلة الجملة مع أن آخره على ثلاثة أحرف، بمنزلة المردف. فلما اجتمع هذان السببان، وكل واحد منهما يقتضي عده، عدوه، ولم يعدوا (المر) لأن آخره لا يشبه المردف، ولم يعدوا (صاد) لأنه بمنزلة اسم مفرد، وكذلك قاف ونون.
ومن قال: إن هذه الحروف في أوائل السور أسماء للسور، فعلى قوله إنما سميت بها، ولم تسم بالأسماء المنقولة، لأنها تتضمن معاني أخر، مضافة إلى التسمية، وهو أنها فاتحة لما هو منها، وأنها فاصلة بينها وبين ما قبلها، ولأنه يأتي من