معنى الحرج الضيق، فمعناه: ولا يضيقن صدرك لتشعب الفكر خوفا من أن لا تقوم بتبليغ ما أنزل إليك حق القيام، فليس عليك أكثر من الإنذار وثانيها: إن معنى الحرج الشك عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، فمعناه فلا يكن في صدرك شك فيما يلزمك من القيام بحقه، فإنما أنزل إليك لتنذر به وثالثها: إن معناه: فلا يضيقن صدرك من قومك أن يكذبوك ويجبهوك بالسوء (1)، فيما أنزل إليك، كما قال سبحانه: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم، إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) عن الفراء. وقد روي في الخبر أن الله تعالى لما نزل القرآن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: إني أخشى أن يكذبني الناس ويثلغوا رأسي (2)، فيتركوه كالخبزة، فأزال الله الخوف عنه بهذه الآية، وقوله: (لتنذر به) أي: بالقرآن. قال الفراء، والزجاج، وأكثر العلماء: إنه على التقديم والتأخير، وتقديره كتاب أنزل إليك لتنذر به (وذكرى للمؤمنين)، فلا يكن في صدرك حرج منه، وقال آخرون:
وهو متصل بقوله (فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به) أي: كن على انشراح صدر بالإنذار، ومعناه التخوف بوعده ووعيده، وأمثاله، وأمره، ونهيه، وليذكروا بما فيه، وإنما خص المؤمنين لأنهم المنتفعون به.
ثم خاطب الله سبحانه المكلفين فقال: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم) ويحتمل أن يكون المراد: قل لهم يا محمد، اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، لأنه قال قبل: (لتنذر به) والاتباع تصرف الثاني بتصرف الأول وتدبره بتدبيره، فالأول إمام، والثاني مؤتم، ووجوب الاتباع فيما أنزل الله تعالى يدخل فيه الواجب، والندب، والمباح، لأنه يجب أن يعتقد في كل منها ما أمر الله سبحانه به، كما يجب أن يعتقد في الحرام وجوب اجتنابه.
(ولا تتبعوا من دونه أولياء) أي: ولا تتخذوا غيره أولياء، تطيعونهم في معصية الله، لأن من لا يتبع القرآن صار متبعا لغير الله من الشيطان، والأوثان، فأمر سبحانه باتباع القرآن، ونهى عن اتباع الشيطان ليعلموا أن اتباع القرآن اتباع له سبحانه.
(قليلا ما تذكرون) أي: قليلا يا معشر المشركين تذكركم واتعاظكم، وهذا