ووجه الحكمة في ذلك مع أنه سبحانه خلقهم ابتداء من غير استحقاق بعمل يوجب التفاضل بينهم، ما فيه من الألطاف الداعية إلى الواجبات، والصارفة عن المقبحات، لأن كل من كان غنيا في ماله، شريفا في نسبه، ربما دعاه ذلك إلى طاعة من يملكه، رغبة في امتثاله، ومن كان على ضد ذلك، ربما دعاه إلى طاعته، رهبة من أمثاله، ورجاء أن ينقله عن هذه الحال إلى حال جليلة، يغتبط عليها.
(ليبلوكم فيما آتاكم) أي: ليختبركم فيما أعطاكم أي: يعاملكم معاملة المختبر مظاهرة في العدل، وانتفاء من الظلم، ومعناه: لينظر الغني إلى الفقير فيشكر، وينظر الفقير إلى الغني فيصبر، ويفكر العاقل في الأدلة فيعلم، ويعمل بما يعلم.
(إن ربك سريع العقاب) إنما وصف نفسه بذلك مع أن عقابه في الآخرة من حيث إن كل ما هو آت قريب فهو إذا سريع. وقيل: معناه إنه سريع العقاب بمن استحقه في دار الدنيا، فيكون تحذيرا لمواقع الخطيئة على هذه الجهة. وقيل: معناه أنه قادر على تعجيل العقاب، فاحذروا معاجلته بالهلاك في الدنيا.
(وإنه لغفور رحيم) قابل سبحانه بين العقاب والغفران، ولم يقابل بالثواب، لأن ذلك أدعى إلى الإقلاع عما يوجب العقاب، لأنه لو ذكر الثواب، لجاز أن يتوهم أنه لمن لم يكن منه عصيان. وقيل: إنه سبحانه افتتح السورة بالحمد على نعمه تعليما، وختمها بالمغفرة والرحمة ليحمد على ذلك.