وإنما حذفت استخفافا، قال الزجاج: وهذا لا يحتاج إلى ضمير الواو، ولو قلت: جاءني زيدا راجلا، أو هو فارس، أو جاءني زيد هو فارس، لم يحتج إلى واو، لأن الذكر قد عاد إلى الأول. ومعنى (بياتا) أي: ليلا. يقال: بات بياتا حسنا، وبيتة حسنة، والمصدر في الأصل بات بيتا، وإنما سمي البيت بيتا، لأنه يصلح للمبيت، فمعنى أو هم قائلون أي: أو جاءهم بأسنا نهارا في وقت القائلة، فأو دخلت هاهنا على جهة تصرف الشئ ووقوعه (1)، وأما مرة كذا، فهي في الخبر هاهنا بمنزلة أو في الإباحة، إذا قلت: جالس الحسن أو ابن سيرين أي: كل واحد منهما أهل أن يجالس، وأو هاهنا أحسن من الواو، لأن الواو يتضمن اجتماع الشيئين، لو قلت ضربت القوم قياما وقعودا، لأوجبت الواو أنك ضربتهم، وهم على هاتين الحالتين. ولو قلت:
ضربتهم قياما، أو ضربتهم قعودا، ولم تكن شاكا، فإنما المعنى أنك ضربتهم مرة على هذه الحال، ومرة على هذه الحال.
وأقول إن الأولى أن يكون (بياتا) مصدرا وموضع (أن قالوا): الاختيار أن يكون رفعا، وأن يكون (دعواهم) في موضع نصب، كقوله: (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا). ويجوز أن يكون في موضع نصب، ويكون (الدعوى) في موضع رفع، إلا أن الدعوى إذا كانت في موضع رفع، فالأكثر في اللفظ، فما كانت دعواهم كذا، لأن الدعوى مؤنثة، وهي اسم لما تدعيه، وتصلح أن تكون بمعنى الدعاء، حكى سيبويه: اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين، وأنشد (ولت ودعواها كثير صخبه) أي: دعاؤها (2).
المعنى: لما تقدم الأمر منه سبحانه للمكلفين، باتباع القرآن، والتحذير من مخالفته، والتذكير، عقب ذلك تذكيرهم ما نزل بمن قبلهم من العذاب، وتحذيرهم أن ينزل بهم ما نزل بأولئك، فقال: (وكم من قرية) أي: من أهل قرية، فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه. (أهلكناها) بعذاب الاستئصال (فجاءها بأسنا) أي:
عذابنا (بياتا) بالليل (أو هم قائلون) أي: في وقت القيلولة، وهي نصف النهار، وأصله الراحة، ومنه الإقالة في البيع، لأنه الإراحة منه بالإعفاء من عقده، والأخذ