(ولقد مكناكم في الأرض) أي: مكناكم من التصرف فيها، وملكناكموها، وجعلناها لكم قرارا (وجعلنا لكم فيها معايش) أي: ما تعيشون به من أنواع الرزق، ووجوه النعم، والمنافع. وقيل: يريد المكاسب، والإقدار عليها بالعلم، والقدرة، والآلات.
(قليلا ما تشكرون): أي: ثم أنتم مع هذه النعم التي أنعمناها عليكم لتشكروا، وقد قل شكركم. ثم ذكر سبحانه نعمته في ابتداء الخلق، فقال: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم) قال الأخفش: ثم هاهنا في معنى الواو. وقال الزجاج:
وهذا خطأ لا يجيزه الخليل، وسيبويه، وجميع من يوثق بعلمه، إنما ثم للشئ الذي يكون بعد المذكور قبله، لا غير، وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء الخلق أولا، فالمراد: إنا بدأنا خلق آدم، ثم صورناه. فابتداء خلق آدم عليه السلام من التراب، ثم وقعت الصورة بعد ذلك، فهذا معنى (خلقناكم ثم صورناكم). (ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) بعد الفراغ من خلق آدم، فثم إنما هو لما بعد، وهذا مروي عن الحسن. ومن كلام العرب: فعلنا بكم كذا وكذا، وهم يعنون أسلافهم. وفي التنزيل (وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور) أي: ميثاق أسلافكم. وقد قيل في ذلك أقوال أخر منها: إن معناه خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، عن ابن عباس، ومجاهد، والربيع، وقتادة والسدي. ومنها: إن الترتيب وقع في الإخبار، فكأنه قال: خلقناكم ثم صورناكم ثم إنا نخبركم، إنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، كما يقول القائل: أنا راجل، ثم أنا مسرع، وهذا قول جماعة من النحويين منهم علي بن عيسى، والقاضي أبو سعيد السيرافي، وغيرهما.
وعلى هذا فقد قيل: إن المعنى: خلقناكم في أصلاب الرجال، ثم صورناكم في أرحام النساء، عن عكرمة، وقيل: خلقناكم في الرحم، ثم صورناكم بشق السمع والبصر، وسائر الأعضاء، عن يمان، وقول الشاعر:
سئلت ربيعة من خيرها أبا، ثم أما، فقالت ليه فمعناه لتجيب أولا عن الأب، ثم الأم. وقوله (فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين) قد مضى الكلام فيه في سورة البقرة.