والشيخ أبو علي الطبرسي (رحمه الله) قال في كتاب مجمع البيان: الفن السابع في ذكر ما يستحب للقارئ من تحسين اللفظ وتزيين الصوت بقراءة القرآن. ونقل روايات من طريق العامة حتى نقل رواية عبد الرحمن بن السائب قال: قدم علينا سعد بن أبي وقاص فأتيته مسلما عليه فقال: مرحبا يا بن أخي! بلغني أنك حسن الصوت بالقرآن. قلت: نعم والحمد لله. قال: فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا وتغنوا به، فمن لم يتغن بالقرآن فليس منا. قال: وتأول بعضهم بمعنى استغنوا به، وأكثر العلماء على أنه تزيين الصوت وتحزينه (1). انتهى.
وهذا يدل على أن تحسين الصوت بالقرآن والتغني به مستحب عنده وأن خلاف ذلك لم يكن معروفا بين القدماء، وكلام السيد المرتضى في الغرر والدرر لا يخلو عن إشعار واضح بذلك (2).
وفي الكافي باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن (3) وأورد أكثر الأخبار المذكورة، وأنت تعلم طريقة القدماء.
وحينئذ نقول: يمكن الجمع بين هذه الأخبار والأخبار الكثيرة الدالة على تحريم الغناء بوجهين:
أحدهما: تخصيص تلك الأخبار بما عدا القرآن، وحمل ما يدل على ذم التغني بالقرآن على قراءة تكون على سبيل اللهو كما يصنعه الفساق في غنائهم.
ويؤيده رواية عبد الله بن سنان المذكورة، فإن في صدر الخبر الأمر بقراءة القرآن بألحان العرب، واللحن هو الغناء، ثم بعد ذلك المنع من القراءة بلحون أهل الفسق، ثم قوله: سيجيء من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء.
وثانيهما: أن يقال: المذكور في تلك الأخبار الغناء، والمفرد المعرف باللام لا يدل على العموم لغة، وعمومه إنما يستنبط من حيث إنه لا قرينة على إرادة