إليه هو ما قلناه من كون الانحراف عن نقطة الجنوب بقدر ثلث المقدار المذكور خاصة تقريبا وبالتحرير التام ينحرف قبلة دمشق أحدا وثلاثين جزءا من تسعين وكلما غربت البلاد الشامية كان الانحراف أكثر وأما انحراف أوساط العراق كبغداد والكوفة بالتحرير التام (عن نقطة الجنوب نحو المغرب فهو صح) ثلاثة وثلاثون جزءا من الاجزاء المذكورة والبصرة سبعة وثلاثون فهذا هو السر في جعلهم الجدي للشامي خلف الكتف وللعراقي خلف المنكب فتدبره فإنه دقيق وأما إطلاق الأصحاب كون طلوع سهيل علامة فالمراد به طلوعه الأفق المرئي كما قدمناه وما بينه وبين الأفق الحقيقي من التفاوت (يزيل خ ل) هذا القدر من الزيادة تقريبا خصوصا مع غلبة الحزونة على أرض الشام وكثرة الارتفاع والانخفاض فيها والفقهاء لم يعتبروا طلوعه عن الأفق الحقيقي لقلة الانتفاع به حينئذ بل أرادوا بروزه للناظر وذلك يوجب ارتفاعا (يزيل خ ل) هذا التفاوت لان الكوكب كلما ارتفع انحرف كما لا يخفى وأما الصبا فلما كان حد مطلعه ما بين نقطة المشرق ونقطة الشمال وكان القدر المعتدل منه يوجب الانحراف عن سمت قبلة الشامي ومخالفة ما تحقق فيه من أصوله وجب حمله على ما خرج منه دوين اعتداله نحو المشرق فإن المسامتة متسعة فيكون إطلاقه في قوة الاجمال كما حمل المشرق والمغرب في قبلة العراق على ما انحرف عن اعتدالهما وأيضا فلو جاز حمله على الاطلاق لزم جواز القرب من معدل المشرق بحيث لا يبقى بين نقطته وبين وجه المصلى إلا يسير لان طرف الريح الصبا من جهة الجدي يلحق الخد وهو فاسد قطعا وقد أشار إلى ذلك في الذكرى بقوله وقد يقال أن مبدأ هبوبها من مطلع الشمس يعنى الصبا يجعله الشامي على الخد الأيسر وهو موافق لما ذكرناه لان الخد إذا سامت مشرق الاعتدال كان الوجه منحرفا عن نقطة الجنوب نحو المشرق يسيرا وأما جعل الجدي مستقيما خلف الكتف الأيسر فيقتضى انحرافا بينا في الجملة لكن لا يوجب زيادة على ما حررناه بل هو أشد مناسبة له من غيره فتدبر هذه الجملة فإنك لا تظفر بها في غير هذا الكتاب واستقم كما أمرت ولا تتبع الهوى ولا ترتاب فإن الحق أحق أن يتبعه أولو الألباب وعلامة المغرب والمراد بعض أهل المغرب كالحبشة والنوبة جعل الثريا عند طلوعها على اليمين والعيوق بالتشديد وهو نجم أحمر مضئ في طرف المجرة يتلو الثريا ويبعد عنها إلى جهة الشمال كبعدها عن أنجم النظم عند طلوعه على الشمال والجدي حال استقامته على صفحة الخد الأيسر وإنما قيدنا المغرب ببعضه مع إطلاق الأصحاب له لان البلاد المشهورة في زماننا بالمغرب كقرطبة وزويلة وتونس وقيروان وطرابلس الغرب قبلتها تقرب من نقطة المشرق بل تميل عنها نحو الجنوب يسيرا فهي بعيدة عما ذكروه هنا فتدبر وعلامة اليمن جعل الجدي وقت طلوعه أو انخفاضه بين العينين وسهيل عند أول مغيبه وهو ميله عن دائرة نصف النهار بل قبل أخذه في المغيب عند كونه على الدائرة بين الكتفين ليكون مقابلا للجدي عند طلوعه لكونهما معا على دائرة نصف النهار وأما إذا أخذ في المغيب يميل عن التوسط بين الكتفين لمن جعل الجدي حال استقامته بين العينين كما لا يخفى والجنوب بفتح الجيم ريح مقابلة لريح الشمال مهبها ما بين نقطتي الجنوب والمشرق على مرجع الكتف الأيمن وهو مبدأ رجوعه قرب المفصل وهذه العلامات بعد الجمع بينها تقتضي كون قبلة اليمنى نقطة الشمال فتكون مقابلة لقبلة مغاريب العراق كالموصل وما ناسبها وبعض الأصحاب كالشهيد في الألفية جعل اليمنى في مقابلة الشامي والتحقيق أن عدن وما والاها تناسب العلامات المذكورة لمناسبتها لمكة في الطول ونقصانها في العرض وأما صنعاء اليمن المشهورة وما ناسبها فهي مقابلة للشامي كما ذكره الشهيد رحمه الله واعلم إنا لما بينا في أول البحث كون معرفة جهة القبلة ليس منها منقول عن أئمة الهدى غير قبلة العراق ببعض علاماتها المذكورة وإنما هي مأخوذة من علم
(٢٠٠)