قال أبو محمد: تفريق مالك بين اليومين وبين اليوم الثالث لا وجه له أصلا، فان ذكر ذا كرما رويناه من طريق شعبة قال: سمعت عبد الله بن عيسى - هو ابن أبي ليلى - عن الزهري عن عروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر قال: عروة عن عائشة، وقال سالم: عن أبيه ثم اتفقا قالا: لم يرخص في أيام التشريق ان يصمن الا لمن لم يجد الهدى، وقد أسنده عن شعبة يحيى بن سلام، وس هو ممن يحتج بحديثه، فان هذا موقوف على أم المؤمنين، وابن عمر رضي الله عنهم، ولا حجة في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ان يسند هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظن فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن فان الظن أكذب الحديث) * وروينا من طريق وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين انها كانت تصوم أيام التشريق * ومن طريق يحيى بن سعيد القطان عن عبد الملك بن أبي نعامة عن أبيه عن ابن عباس انه كان يصوم أيام التشريق * وعن أبي طلحة انه كان لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى * وعن الأسود أنه كان يصوم أيام التشريق ولو كان مسندا لكان حجة على المالكيين لأنه أباح اليوم الثالث ان يصومه الناذر وهو خلاف هذا الخبر * قال أبو محمد: عهدنا بالحنيفيين والمالكيين يقولون فيما وافق أهواءهم من أقوال الصحابة:
هذا لا يقال بالرأي قالوا ذلك في تيمم جابر إلى المرفقين، وفى قول عائشة رضي الله عنها لام ولد زيد بن أرقم إذا باعت منه عبدا إلى العطاء بثماني مائة ثم اشترته منه بستمائة أبلغ زيدا انه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ان لم يتب، وهو خبر لا يصح، وخالفوا بذلك القرآن والسنة الثابتة، وفى التيمم إلى الكوعين فهلا قالوا هنا في قول عائشة، وابن عمر:
مثل هذا لا يقال: بالرأي؟ وعهدنا بهم يقولون فيما خالف أهواءهم من السنن ما تعظم به البلوى: لا يقبل فيه خبر الواحد، وردوا بذلك الوضوء من مس الذكر فهلا قالوا ههنا:
هذا مما تعظم به البلوى؟ فلا يقبل فيه خبر الواحد، إذا لو كان النهى عن صيام أيام التشريق صحيحا ما خفى على عائشة، وأبى طلحة، وابن عباس، والأسود، وعهدنا بهم يقولن:
ان الخبر المضطرب فيه مردود، وادعوا ذلك في حديث (لا تحرم المصة ولا المصتان) فهذا الخبر أشد اضطرابا لأنه روى عن بشر بن سحيم، ومرة عنه عن علي، وعهدنا بهم يقولون فيما وافقهم: هذا ندب فهلا قالوه ههنا؟ وعهدنا بهم يقولون: إذا روى الصاحب خبرا وتركه فهو دليل على نسخه، وعائشة قد روت كما ذكرنا النهى عن صيام أيام التشريق وتركت ذلك فكانت تصومها تطوعا فهلا تركوا ههنا روايتها لرأيها؟ ولا يقدر أحد على أن يقول: إنها وابن عباس صاماها في تمتع الحج لان يسارهما ويسار الأسود وسعة أموالهم لألف هدى أشهر من أن يجهله الا من لاعلم له أصلا