ابن عبد الرحمن فاخذ بيده فأقامه ثم قال (1): اللهم ان هذا يحدث عن أبيه (عن أبي هريرة) (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) فقال العلاء: اللهم ان أبى حدثني عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك (3) * قال أبو محمد: هكذا رواه سفيان عن العلاء، والعلاء ثقة روى عنه شعبة وسفيان الثوري، ومالك، وسفيان بن عيينة، ومسعر بن كدام، وأبو العميس وكلهم يحتج بحديثه فلا يضره غمز ابن معين له، ولا يجوز ان يظن بأبي هريرة مخالفة ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، والظن أكذب الحديث، فمن (4) ادعى ههنا اجماعا فقد كذب * وقد كره قوم الصوم بعد النصف من شعبان جملة الا ان الصحيح المتيقن من مقتضى لفظ هذا الخبر النهى عن الصيام (5) بعد النصف من شعبان، ولا يكون الصيام في أقل من يوم، ولا يجوز ان يحمل على النهى عن صوم باقي الشهر إذا ليس ذلك بينا، ولا يخلو شعبان من أن يكون ثلاثين أو تسعا وعشرين، فإن كان ذلك فانتصافه بخمسة عشر يوما وإن كان تسعا وعشرين فانتصافه في نصف اليوم الخامس عشر، ولم ينه عن الصيام بعد النصف، فحصل من ذلك النهى عن صيام اليوم السادس عشر بلا شك (فان قيل): فقد رويتم من طريق وكيع عن أبي العميس عن العلاء بن عبد الرحمن بن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا كان النصف من شعبان فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان) قلنا: نعم وهذا يحتمل النهى عن كل ما بعد النصف من شعبان، ويحتمل أن يكون النهى عن بعض ما بعد النصف وليس أحد الاحتمالين أولى بظاهر اللفظ من الآخر، وقد روينا ما ذكرنا قبل من قول أم سلمة أم المؤمنين (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان يصله برمضان) وقول عائشة أم المؤمنين انه عليه الصلاة والسلام: (كان يصوم شعبان كله إلا قليلا) وقولهما هذا يقتضى انه عليه السلام كان يداوم ذلك فوجب استعمال هذه الأخبار كلها والا يرد منها شئ لشئ أصلا، فصح صيام أكثر شعبان مرغوبا فيه، وصح جواز صوم آخره فلم يبق يقين النهى الا على ما لا شك فيه وهو اليوم السادس عشر كما قلنا وبالله تعالى التوفيق *
(٢٦)