(والثاني) لا يحنث وهو قول أبي حنيفة وأصحابه إلا أبا يوسف فإن عنه رواية انه يحنث وإنما قلنا إنه لا يحنث لأن ما أخذه النهر يضاف إلى ذلك النهر لا إلى الفرات ويزول بإضافته إليه عن اضافته إلى الفرات فلا يحنث به كغير الفرات (مسألة) قال (ولو قال والله لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك فهرب منه لم يحنث ولو قال لا افترقنا فهرب منه حنث).
أما إذا حلف لا فارقتك ففيه مسائل عشرة. (أحدها) ان يفارقه الحالف مختارا فيحنث بلا خلاف سواء أبرأه من الحق أو فارقه والحق عليه لأنه فارقه قبل استيفاء حقه منه. (الثانية) فارقه مكرها فينظر فإن حمل مكرها حتى فرق بينهما لم يحنث وان أكره بالضرب والتهديد لم يحنث وفي قول أبي بكر يحنث وفي الناسي تفصيل ذكرناه فيما مضى (الثالثة) هرب من الغريم بغير اختياره فلا يحنث وبهذا قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن أحمد انه يحنث لأن معنى يمينه ألا تحصل بينهما فرقة وقد حصلت ولنا انه حلف على فعل نفسه في الفرقة وما فعل ولا فعل باختياره فلم يحنث كما لو حلف لاقمت فقال غيره (الرابعة) أذن له الحالف في الفرقة ففارقه فمهوم كلام الخرقي انه يحنث وقال الشافعي لا يحنث قال القاضي وهو قول الخرقي لأنه لم يفعل الفرقة التي حلف انه لا يفعلها.
ولنا ان معنى يمينه لألزمنك فإذا فارقه باذنه فما لزمه ويفارق ما إذا هرب منه لأنه فر بغير اختياره، وليس هذا قول الخرقي ولان الخرقي قال فهرب منه فمفهومه انه إذا فارقه بغير هرب انه يحنث (الخامسة) فارقه من غير اذن ولا هرب على وجه يمكنه ملازمته والمشي معه وامساكه فلم يفعل فالحكم فيها كالتي قبلها.
(السادسة) قضاه قدر حقه ففارقه ظنا منه وفاه فخرج رديئا أو بعضه فيخرج في الحنث روايتان بناء على الناسي وللشافعي قولان كالروايتين (أحدهما) يحنث وهو قول مالك لأنه فارقه قبل استيفاء حقه مختارا (والثاني) لا يحنث وهو قول أبي ثور أصحاب الرأي إذا وجدها زيوفا، وان وجد أكثرها نحاسا فإنه يحنث وان وجدها مستحقة فأخذها صاحبها خرج أيضا على الروايتين في الناسي لأنه ظان انه مستوف حقه فأشبه ما لو وجدها رديئة وقال أبو ثور وأصحاب الرأي لا يحنث وان علم بالحال ففارقه حنث لأنه لم يوفه حقه.