ولنا ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا صلحا ولا اعترافا " وروي عن ابن عباس موقوفا عليه ولم نعرف له في الصحابة مخالفا فيكون اجماعا، ولان الواجب فيه قيمة تختلف باختلاف صفاته فلم تحمله العاقلة كسائر القيم ولأنه حيوان لا تحمل العاقلة قيمة أطرافه فلم تحمل الواجب في نفسه كالفرس وبهذا فارق الحر (المسألة الثانية) أنها لا تحمل العمد سواء كان مما يجب القصاص فيه أولا يجب ولا خلاف في أنها لا تحمل دية ما يجب فيه القصاص وأكثر أهل العلم على أنها لا تحمل العمد بكل حال وحكي عن مالك أنها تحمل الجنايات التي لا قصاص فيها كالمأمومة والجائفة وهذا قول قتادة لأنها جناية لا قصاص فيها أشبهت جناية الخطأ ولنا حديث ابن عباس ولأنها جناية عمد فلا تحملها العاقلة كالموجب للقصاص وجناية الأب على ابنه، ولان حمل العاقلة إنما يثبت في الخطأ لكون الجاني معذور تخفيفا عنه ومواساة له والعامد غير معذور فلا يستحق التخفيف ولا المعاونة فلم يوجد فيه المقتضي، وبهذا فارق العمد الخطأ ثم يبطل ما ذكروه بقتل الأب ابنه فإنه لا قصاص فيه ولا تحمله العاقلة (فصل) وان اقتص بحديدة مسمومة فسرى إلى النفس ففيه وجهان (أحدهما) تحمله العاقلة لأنه ليس بعمد محض أشبه عمد الخطأ (والثاني) لا تحمله لأنه قتله بآلة يقتل مثلها غالبا فأشبه من لا قصاص له، ولو وكل في استيفاء القصاص ثم عفا عنه فقتله الوكيل من غير علم بعفوه فقال القاضي
(٥٠٣)