إلا لقمة، أو لقما يتبرك بأكلها، فإنها مسنونة. وحكى في الحاوي عن أبي الطيب بن سلمة: أنه لا يجوز التصدق بالجميع، بل يجب أكل شئ. وفي القدر الذي يستحب أن لا نقص التصدق عنه، قولان. القديم: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، واختلفوا في التعيين عن الجديد. فنقل جماعة عنه: أنه يأكل الثلث، ويتصدق بالثلثين. ونقل آخرون عنه: أنه يأكل الثلث، ويهدي إلى الأغنياء الثلث، ويتصدق بالثلث. وكذا حكاه الشيخ أبو حامد، ثم قال: ولو تصدق بالثلثين كان أحب. ويشبه أن لا يكون اختلاف في الحقيقة، لكن من اقتصر على التصدق بالثلثين، ذكر الأفضل، أو توسع فعد الهدية صدقة.
والمفهوم من كلام الأصحاب: أن الهدية لا تغني عن التصدق بشئ إذا أوجبناه، وأنها لا تحسب من القدر الذي يستحب التصدق به، ويجوز صرف القدر الذي لا بد منه إلى مسكين واحد، بخلاف الزكاة.
فرع يجوز أن يدخر من لحم الأضحية، وكان ادخارها فوق ثلاثة أيام قد نهى عنه رسول الله (ص)، ثم أذن فيه. قال الجمهور: كان نهي تحريم. وقال أبو علي الطبري: يحتمل التنزيه. وذكروا على الأول وجهين، في أن النهي كان عاما، ثم نسخ، أم كان مخصوصا بحالة الضيق الواقع في تلك السنة، فلما زالت، انتهى التحريم؟ ووجهين على الثاني: في أنه لو حدث مثل ذلك في زماننا وبلادنا، هل يحكم به؟ والصواب المعروف: أنه لا يحرم اليوم بحال. وإذا أراد الادخار، فالمستحب أن يكون من نصيب الاكل، لا من نصيب الصدقة والهدية. وأما قول الغزالي في الوجيز: يتصدق بالثلث، ويأكل الثلث، ويدخر الثلث، فبعيد منكر نقلا ومعنى، فإنه لا يكاد يوجد في كتاب متقدم ولا متأخر، والمعروف الصواب: ما قدمناه.