كان له ترتيب الأثر على الحكم ظاهرا وباطنا، وكذا على المدعى عليه، وإن لم يكن محقا كان له وعلى المدعى عليه ترتيب الأثر عليه في الظاهر، فيكون الحكم حكما واقعيا يتقدم على أدلة السلطنة بالتخصيص، فلو لم يرتب المحكوم عليه الأثر عليه بالتسليم فهو عاص، وإن كان عالما بكون الشئ ملكا له وإن الحكم صدر اعتمادا على شهادة زور.
فالعمل بالحكم واجب شرعي على المحكوم عليه، ولا يجوز نقضه حتى مع العلم بمخالفته للواقع، اللهم إلا إذا خالف بحيث لم يصدق النقض، وأما المحكوم له فيمكنه الأخذ بالحكم والمطالبة استنادا إليه لكنه غير جائز له شرعا مع العلم بمخالفته للواقع. وهذا معنى النفوذ ظاهرا.
ويدل على حرمة نقض الحكم فيما إذا كانت الشهادة محقة كل ما يدل على أن حكم الحاكم فاصل للخصومة وقاطع للنزاع. كما ذكرنا في كتاب القضاء بالتفصيل، وأما إذا لم تكن محقه فقد استدل للنفوذ ظاهرا لا واقعا بوجوه:
الأول: الاجماع. ذكره جماعة منهم المحقق في المتن بقوله (عندنا).
والثاني: الأصل. قال في المسالك: (أطبق علماؤنا وأكثر الجمهور على أن الحكم لا ينفذ إلا ظاهرا، وأما باطنا فيتبع الحق، فلا يستبيح المحكوم له أخذ المحكوم به مع علمه بعدم الاستحقاق، لأصالة بقاء الحق على أصله والحل والحرمة كذلك).
أقول: التمسك بالأصل يتوقف على تحقق موضوعه وهو الشك، كأن يحتمل صحة فتوى أبي حنيفة القائل بأن الحكم لا يتبع الحق في الباطن، بل إنه يغيره، وللمحكوم له ترتيب الأثر عليه وإن علم بطلانه من غير فرق بين المال والبضع، ومع هذا الاحتمال والشك في بقاء الحكم الشرعي وهو حرمة هذا المال أو البضع عليه قبل الحكم يستصحب بقاؤه.