والحاصل: أن المراثي قد يصدق عليها الغناء كما قد يصدق على قراءة القرآن ولذا ورد عنه صلى الله عليه وآله: (اقرأوا القرآن بألحان العرب وإياكم ولحون أهل الفسوق والكبائر وسيجئ بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية. لا يجوز تراقيهم، قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم) نعم قيل باستثناء المراثي حكما، (فقد حكى في جامع المقاصد قولا لم يسم قائله باستثناء الغناء في المراثي، نظير استثنائه في الأعراس.
وربما وجهه بعض من متأخري المتأخرين بعمومات أدله إلا بكاء والرثاء، وقد أخذ ذلك مما تقدم من صاحب الكفاية من الاستدلال باطلاق أدلة قراءة القرآن.
لكن فيه ما تقدم من أن أدلة الاستحباب والكراهة والإباحة لا تقاوم أدلة الحرمة والوجوب، بل يتقدم دليل الحرمة أو الوجوب بلا كلام عقلا وشرعا وقد دل الخبر المذكور: (اقرأوا القرآن.) على استحباب قراءة القرآن باللحن غير المحرم، وبعبارة أخرى: يدل على تحسين الصوت بالقرآن ما لم ينته إلى التغني فيحرم، فالمراثي ونحوها كذلك، فإن قرائتها بالصوت الجيد المعين على البكاء مندوب ما لم ينته إلى حد الغناء.
وما عن المحقق الأردبيلي بعد توجيه استثناء المراثي وغيرها من الغناء بأنه ما ثبت الاجماع إلا في غيرها، والأخبار ليست بصحيحة صريحة في التحريم من تأييد هذا الاستثناء بأن البكاء والتفجع مطلوب مرغوب وفيه ثواب عظيم، الغناء معين على ذلك، وأنه متعارف دائما في بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا هذا من غير نكير، وبأن النياحة جائزة وكذا أخذ الأجر عليها، والظاهر أنها لا تكون إلا مع الغناء، وبأن تحريم الغناء للطرب على