فرأيت أن يشتمل كتابي هذا على فنين كريمين هما أصلا علمين كبيرين وثمرتاهما وغايتاهما أعني: فن الربوبيات المفارقات المسمى بأثولوجيا من العلم الكلي والفلسفة وعلم النفس من الطبيعيات فإنهما من المقاصد التي هي أساس العلم والعرفان والمطالب الذي يضر الجهل بهما في المعاد للإنسان كما يشهد به جميع الأمم الفاضلة السابقة واللاحقة إلى هذا الزمان ويحكم به العقول الزكية والنفوس الخيرة من أولي الدراية والعرفان.
ثم ليعلم إخواني المؤمنين ورفقائي المجاهدين؛ أني قد حرمت على نفسي مناولة هذا الكتاب إلا لمن جبلت سريرته من غير تكلف على الإنصاف وتجنب بحسب الفطرة من غير مشقة عن الجور والاعتساف؛ من خلص الإخوان وصفوة الأحباء والخلان بشرط أن لا يبذل مقاصده للطبائع العنودة العسوفة ولا يبوح بمطالبه للمدارك الوهمانية المؤوفة وتقدسها عن الجلود الميتة التي كفرت بأنعم الله ولا يستودعها إلا للأنفس الحية كما قرره وأوصى به الحكماء الكبار؛ أولي الأيدي والأبصار.
فإن هذه المباحث ونظائرها غامضة دقيقة المسلك لا يقف على حقيقتها إلا واحد بعد واحد من أكابر العرفاء ولا يهتدي إلى كنهها إلا وارد بعد وارد؛ من أماجد الحكماء كما قال الرئيس جل جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد أو يطلع عليه إلا واحد بعد واحد.
وقال المعلم الأول: من أراد أن يشرع في علومنا فليتحدث لنفسه فطرة أخرى معناه: أن العلوم الإلهية مماثلة للعقول القدسية لاتحاد العاقل والمعقول وإدراكها يحتاج إلى لطف شديد وتجرد تام وهو الفطرة الثانية.
وأذهان الخلق من أول الفطرة غير ملطفة ولا مرتاضة بل جاسية كثيفة فلا يمكنها إدراك المعقولات المحضة كما هي هي وهو المسمى