جوهره معتدلا قليل الفضول موافقا للروح النفساني فيكون ذكيا لذيذا دالا على اعتدال في نفسه وقوة فعل الحرارة الغريزية فيه وتلطيفها له ونفيها لفضوله إلا أنه يكون على ضربين: إما أن يكون مزاجه باردا ضعيف التأثير في الهواء مثل البنفسج والصندل (1) الأحمر وما شاكلهما. وإما معتدلا مثل الخيريين (2) وما شاكلهما.
فإن عارضنا معترض وقال: ما السبب الذي له صار الذكي الرائحة من هذا النوع باردا، والكريه الرائحة حارا، وقد اتفقا جميعا في ضعف الحركة وقلة الرائحة؟.
قلنا: من قبل أن البشاعة لا تكون دائما إلا عن حرارة خارجة عن الطباع تثير فضول الشئ من غير أن تنقي منها شيئا. وإما عن رطوبة عفنة. ومن أي النوعين كان، فقد امتنع أن يكون باردا لان البرودة لا تحدث مع الغليان والتثوير، بل مع قلة الحركة وكثرة السكون.
وجماع القول: أن الروائح تنقسم في جنسها على قسمين: إما ساكنة عديمة الحركة حتى لا تظهر لها رائحة البتة فتدل على جوهر غليظ أرضى منيع الانحلال في الهواء، فلا ينبئ من ذاته على شئ من طبيعته لا لحرارة ولا لبرودة. وإما متحركة ظاهرة التأثير والفعل، فتكون على ضربين: إما ضعيفة الحركة قريبة من التوسط والاعتدال فتدل على جوهر كذلك، أعني جوهرا متوسطا معتدلا. وإما قوية الحركة والتأثير فتدل على قوة الحرارة وشدتها إلا أنها على ضربين: إما لذيذة ذكية الرائحة فتدل على اعتدال جوهر الشئ ومزاجه وموافقته لمزاج الروح النفساني. وإما بشعة كريهة فتكون على ضربين: إما منتنة فتدل على ضعف الحرارة الغريزية وقوة الحرارة الغريبة، وإما زهمة (3) فتدل على غليان رطوبة عفنة.
فإن قال قائل: وكيف يمكن أن يكون في نوع من أنواع الأشجار حرارة غريبة دائمة، وكل شئ فيه حرارة غريبة فله بطبعه حرارة جوهرية، والجوهر أسبق من العرض. وإذا كان كذلك وجب أن يكون لكل ما كان منتنا حرارة جوهرية يكون بها ذكيا حتى إذا زالت عنه حرارة الجوهرية فسد وصار منتنا كالذي نشاهده من الحيوان لأنا نجده عند اعتدال مزاجه وقوة حرارته الغريزية، يكون ذكيا غير منتن. وإذا فارقته حرارته الغريزية فسد وصار منتنا.
قلنا له: قد كنا قدمنا في ابتداء كلامنا في هذا الكتاب أن الاعتدال يكون على ضربين: إما طبيعيا عاميا مثل الاعتدال الواقف بين حاشيتي النقيض، وإما اعتدالا خاصيا خارجا عن الطباع، وهو ما اختص به شئ دون شئ فكان به معتدلا وله صالحا. وإن كان في الطباع مذموما فاسدا مذموما مثل الفلفل