وقول آخر حكاه عن نفسه قال فيه: وإني لما رأيت لون المرة في أكثر الفحولة من الثيران أسمانجونيا، لم ألق في الدواء الذي احتاج ان أخلط به مرارة الثور المرة التي في لونها أسمانجونية، حتى أخذت مرارة ثور آخر معتدلة اللون مائلة إلى الحمرة، واستعملتها في الدواء لأني وقفت على أن سبب أسمانجونية تلك المرة لم يكن إلا لان الثور الذي أخذت منه كان قد أتعب تعبا شديدا واستكد كدا عنيفا واستوثق من وثاقه في وقت قوده حتى غضب غضبا مفرطا وقلق واستحر مزاجه والتهب، ولم أبعد أيضا أن يكون قد جاع جوعا كثيرا وعطش عطشا شديدا. ولذلك امتنعت أن أستعمل مرارته في الدواء الذي أردت أن أركبه. ولذلك مثلت الأوائل المرة بالبول، لان البول إذا كان مزاج البدن معتدلا، كان صبغه أيضا كذلك. ومتى عطش الانسان أو صام أو تعب تعبا شديدا قويا أو غضب غضبا شديدا، أسخن البدن وقوى صبغ البول وصار أشقر. ومتى أكثر الانسان من الطعام والشراب وأدمن الدعة والسكون، انحصرت الرطوبات في باطن بدنه وقلت حرارته وضعف طبخ البول وخرج أبيض لا صبغ له. وكذلك ألوان المرة تختلف على حسب اختلاف الحيوان، لأنها تكون فيمن يديم الجوع والعطش ويكثر الرياضة والتعب، شديدة (١) الاسمانجونية اللون. وفيمن هو بخلاف ذلك وعكسه، قليلة الصبغ مائلة إلى الصفراء.
وإذ ذلك كذلك فقد بان واتضح انه متى ألقيت (٢) في دوام الأدوية قوية الصبغ أسمانجونية اللون وزنجارية، أفادت ذلك الدواء حرارة وتلذيعا. ومتى ألقيت (٢) فيه مرارة قليلة الصبغ مائلة إلى الصفرة، صار ذلك الدواء بها مقصرا عن المزاج المعتدل ونقص من حرارته بحسب انحراف لون المرة الحمراء. <و> صرنا متى أردنا أن نستعمل شيئا من المرارات لتفتيح عروق المعدة لنستفرغ منها دما قد احتقن فيها، قصدنا من المرارات أحدها وأقواها صبغا، ذلك لغلظ حس الموضع لانصباب الرطوبات وسائر المرار إليه بالطبع. ومتى أردنا استعمال شئ من المرارات في...
(3) ألطفها وأقلها صبغا وألينها فعلا، ذلك لذكاء حس السمع وغلبة التليين عليه والجفاف بالطبع، وإن كان من الأفضل ألا تستعمل المرارة في مثل هذا العضو وحدها دون أن يخلط معها ما يلينها ويسهلها على الحاسة كيلا تنكأها وتهتكها.
ولمثل ذلك صرنا إذا أردنا أن نستعمل شيئا من المرارات لحدة الفهم، قصدنا مرارات الطير والحجل والدجاج لان مرارات الطير، وإن كانت أسخن وأيبس من مرارات المواشي، فإن في مرارة الحجل والدجاج من ضعف الحرارة وقلة التلذيع ما قد صارت بذلك أعدل من مرارات الطير وألطفها. ويستدل على ضعف حرارة الحجل والدجاج من ثقل حركتها وضعف طيرانها. وقد (4) ينبغي أيضا ألا تستعمل