وفيه أبين، كان أفضل مما كانت جبنيته أقوى وإنفحته أظهر. وكذلك (١) ما كانت ملوحته أقل وأخفى، كان أفضل مما كانت ملوحته أكثر وأعلن. وأما معرفة ذلك من قبل الجشاء <ف> ما زال طعمه من الجشاء بسرعة، كان أفضل مما بقي طعمه في الجشاء مدة أطول لان في طول لبث طعمه في الجشاء دليل واضح على غلظ جسمه وبعد انهضامه وعسر انحداره وفساد جوهره.
وقد يجبن الجبن بضروب من المجبنات فتختلف قواه وأفعاله بحسب ما يجبن به. فالأكثر منه يجبن بالإنفحة. ومنه ما يجبن بلب القرطم المسحوق. ومنه ما يجبن بالاسكنجبين. ومنه ما يجبن بماء التمر هندي مطبوخ. ومنه ما يجبن بماء الحصرم وبماء الرمان الحامض أو بماء حماض الأترج. ومنه ما يجبن ببرودة الماء المبرد وهو أن يغلى اللبن فإذا فار أنزلت فيه قارورة مملوءة ماء قد برد فحركت فيه قليلا.
فما كان منه مجبنا بالإنفحة فقد تقدم القول بما فيه مقنع. وما كان منه مجبنا بلب القرطم، كان أفضل لمن رطب مزاجه وكان بلغمانيا. وما كان منه مجبنا بالاسكنجبين، كان أبعد من توليد السدد وحجارة الكلى وكان أقل أضرارا بأصحاب البهق والتنفس العارض من الرطوبة الغليظة وبخاصة إذا كان الخل الذي عمل منه الاسكنجبين خلا (2) عنصلانيا. وما كان منه مجبنا بماء التمر هندي المطبوخ كان أقل ضررا بالمحرورين وأسرع انحدارا عن المعدة. وما كان مجبنا بماء الحصرم أو بماء الرمان الحامض أو ماء حماض الأترج، كان أغلظ وأبعد انحدارا، إلا أنه أفضل في قطع الاسهال الصفراوي. وما كان مجبنا ببرودة الماء البارد، كان أفضل غذاء وأحمد جوهرا، لا سيما إذا كان طريا ليومه، لأنه يقوم مقام اللبن المطبوخ بالماء الذي ذهبت منه مائيته وبقيت جبنيته وسمنيته.