وذكر ديسقوريدس عن الشفنين البحري (1) أن له في ذنبه حمة (2) منقطعة إلى خلف، أعني إلى منبت القشر. وأن هذه الحمة إذا أخذت ووضعت على الأسنان الوجعة، فتتتها وأسقطتها (3). وأعضل الطير وأكثرها صلابة وأقربها (4) من العصب وأكثرها (4) شبها بالليف وأفسدها (4) غذاء الكركي والطواويس. ولذلك صارت أعسر انهضاما وأبعد انحدارا، إلا أن الكركي أخص بصلابة اللحم وبعد الانهضام لأنها أعضل وأصلب. والطواويس أفسد غذاء لأنها أكثر زهومة، ولذلك صار الأفضل ألا تؤكل في الصيف إلا بعد ذبحها بيوم، وفي الشتاء بعد ذبحها بيومين أو ثلاثة، ليلين لحمها ويسترخي.
وأطيب (5) الطير طعما الإوز والبط المعروف بالخشنكار والنعام وفراخ الحمام المسمنة في البيوت. ولذلك صارت كلها، خلا فراخ الحمام، أخص بالغلظ وبعد الانهضام وبخاصة ما كان منها يأوي الآجام والمواضع العفنة. ويدل على ذلك كثرة زهومتها وزفورتها، ولذلك صارت غير موافقة للمعدة لأنها تثقلها وتفسدها بفضل رطوبتها وزهومتها. وأما أجنحتها فليست بدون أجنحة الطير في الفضل وسرعة الانهضام وقلة الفساد، وذلك لدوام حركتها وتواتر تعبها. ولذلك صار أحمد ما يؤكل منها أجنحتها ورقابها، لان الرقاب من كل طير محمودة الغذاء لدوام حركتها وقلة شحمها وبعدها من الزفورة بالطبع.
وأما ما يأوي من الطير الغياض والآجام..
(6) وأفضل طير الآجام البط المعروف بالخشينكار.
وقد يتوسط بين رطوبة لحم البط وغلظ الكركي لحم الطهيوج. وأحر الطير مزاجا وأكثرها جفافا وأحرقها للدم وأفسدها غذاء لحم الجراد وبعده لحم العصافير، إلا أن لحم الجراد أخص بذلك وأوحد كثيرا وأيبس وأسرع إفسادا للدم وإحراقا له، وأبعد من تغذية الأعضاء والتشبه بها لمنافرة الطباع لها لاختصاصها بتولد المرة السوداء الحريفة، إلا أن من خاصتها على سبيل الدواء أنه إذا تبخر به، منع عسر البول العارض من الرطوبات الغليظة. وفعله ذلك في النساء والخصيان أكثر من فعله في الفحولة والشباب لكثرة احتمال النساء والخصيان لاحراقه وتجفيفه. ولديسقوريدس في الجراد العظيم الذي ليس له جناح، المعروف بالجوجول، قول قال فيه، أنه إذا أخذ طريا من غير أن يملح ولا يطبخ وسحق وشرب بشراب، نفع من لسع العقارب منفعة عظيمة.
وذكر ديسقوريدس عن طير قريب من الجراد يأوي شجر الزيتون يصيح أكثر زمانه، وصياحه