حديث، ويقلى قليا كيما تبقى رطوبته الجوهرية فيه، وتكون رائحته رائحة ذكية طيبة.
وقد يستعمل سويق الشعير على ضروب من صنعته، فتظهر منه أفاعيل مختلفة وذلك أن منه ما يستعمل وحده ساذجا ومنه ما يستعمل مع غيره. وما يستعمل وحده (1) يستعمل على ثلاثة ضروب: وذلك أن منه ما يحل بالماء ويشرب من غير أن ينقع ولا يغسل. وما كان على هذا المثال، كان غذاؤه أكثر، وانهضامه وانحداره أعسر، وتوليده للرياح والنفخ أزيد، وإسخانه للأبدان أقوى، وتجفيفه للرطوبات وعقله للبطن أكثر. ومنه ما ينقع في الماء ساعة ثم يغسل بالماء مرات حتى يصير إلى غاية انتفاخه وتزول عنه أكثر رياحه ونفخه، ويبتل جرمه ويلين ويكتسب من الماء برودة ورطوبة يقوى بها على تسكين الحرارة وقطع العطش وسرعة الانحدار وتليين الطبيعة. إلا أن غذاءه يقل كثيرا لكثرة ما يتحلل من جوهره في الماء الذي يغسل به (2). ومنه ما يغسل بالماء مرات حتى يبلغ غاية انتفاخه ثم ينقع وقتا طويلا ويصفى ويشرب الماء الذي يصفى عنه، فيكون تبريده للأبدان أقوى وتسكينه للعطش أكثر وانحداره أسرع وتليينه للبطن أزيد، إلا أن غذاءه يكون قليلا نزرا. وقد يستعمل الناس السويق في الصيف كثيرا على هذا المثال الذي قدمنا ذكره لأربع ساعات من النار أو خمس، يقصدون به تسكين الحرارة وقطع العطش.
وأما ما يتخذ من السويق مع غيره، فيكون على ضربين: لان منه ما يتخذ مطبوخا، ومنه ما يتخذ غير مطبوخ بماء (3) ويسير من لبن حليب وخشخاش أبيض محمص، ويشرب (4) لسحوج الأمعاء الحادثة عن حدة المرة الصفراء، لأنه يسكن حدة الفضل الداعي لكثرة القيام (5)، ويجلب النوم. إلا أنه يجب أن يتوقى الاكثار منه وبخاصة إذا كان المستعمل له ضعيفا لأنه زائد في الضعف وسقوط القوة، مانع من درور البول.
وأما ما يتخذ غير مطبوخ، فيستعمل على ثلاثة ضروب: لان منه ما يؤخذ بالعسل أو بالسكر، ومنه ما يشرب بالشراب، ومنه ما يشرب باللبن، ومنه (6) ما يشرب بالعسل، فإن العسل يفيده حرارة وإسخانا ويزيد في جلائه وإطلاقه للبطن ويزيل عنه رياحه ونفخه، إلا أنه يقل غذاؤه. وما يتخذ بالسكر، فإنه يفعل فعل العسل في جودة الجلاء وإطلاق البطن وقلة الرياح والنفخ، إلا أنه دونه في الاسخان وقلة الغذاء. وأما الذي يشرب بالشراب، فإنه يكتسب خمرية وعطرية تعينه على نشف رطوبات المعدة وتقوية جرمها وجرم المعاء ويقطع الاسهال الكائن عن ضعف القوة الهاضمة في المعدة والكبد جميعا. وأما ما