استعمل كذلك كان قريبا من الباقلي المطحون المطبوخ، إلا أنه أفضل لأنه أقل رياحا منه، لزيادة فعل النار فيه ولا سيما إذا استعمل بالفوذنج والصعتر والكمون. والثاني: يؤخذ من الباقلي المقشر جزء وينقع في ماء عذب إنقاعا بليغا، وينحى عنه ذلك الماء ويلقى عليه من الماء مثليه خمس عشرة (1) مرة ويطبخ حتى ينتفخ غاية انتفاخه وينحى ذلك الماء عنه أيضا ويلقى عليه ماء حار قد أعد له قبل أن يهراق (2) الماء عنه ويلقى عليه بسرعة قبل أن يناله الهواء فيغلظه ويمنع من نضجه، ويطبخ مع حبات من ملح مسلوق، ويحرك دائما حتى ينطحن ويذوب ويصير هو والماء شيئا (3) واحدا. وما كان على هذه الصنعة، كان أقل أنواع الباقلي رياحا ونفخا وأسرعها انهضاما لان كثرة رياحه ونفخه قد زالت عنه في الماء الأول والثاني، إلا أنه يعدم لذة الباقلي المطبوخ طبخة واحدة.
وأما المسلوق من الباقلي، فإنه ينقع بدءا في ماء عذب ثم ينحى ذلك الماء عنه ويرش عليه في كل يوم ماء جديد ويغطى بثياب مبلولة بالماء أياما حتى ينبت (4) وينتفخ غاية انتفاخه، ثم يسلق ويؤكل على ضروب شتى: لان منه ما يؤكل بقشره، ومنه ما يؤكل بغير قشره. وما يؤكل بقشره، فأغلظ وأبعد انهضاما وأكثر رياحا ونفخا وقراقر. وذلك لما في القشر من الغلظ والصلابة وكثرة القبض وبعد الانهضام. وما يؤكل منه بغير قشره، فهو ألطف وأسرع انهضاما وأحمد غذاء إلا أنه يستعمل على ضروب: لان منه ما يؤكل بالماء الذي يسلق به مع شئ من ملح وصعتر وكمون، ويؤكل بخل وكرويا وملح وصعتر وزيت أنفاق. ومنه ما يلقى عليه مري وصعتر وزيت أنفاق وكرويا وسذاب، إلا أنه وإن كان لا يخلو من رياح نافخة، فإن أخذ ما يتخذ منه لاصلاح غذائه، أن يستعمل بمائه الذي سلق به بعد أن يهراق الماء الأول الذي يسلق فيه بدءا، ويسلق بماء ثان (5) بشئ من ملح وصعتر وكرويا وسذاب وكمون وزيت أنفاق، لان ذلك مما يصلح غذاءه ويزيد في سرعة انهضامه.
وأما ما يؤكل منه بالخل والزيت والصعتر والكرويا، فإنه أغلظ وأبعد انهضاما، إلا أنه أكثر تطفئة وتبريدا وتقوية للمعدة. وأما ما يؤكل منه بالمري والزيت والكرويا والسذاب، فأسرع انهضاما وانحدارا، إلا أنه يعطش ويولد دما فيه حدة. وأما ما يشوى من الباقلي، فإنه وإن كان في ذاته غليظا بطئ الانحدار، فإنه ألطف وأسرع انهضاما (6) من المقلي على الطابق لان النار تباشر جسمه وتلطف غلظه وتفيده هشاشة ورخاوة وتعينه على حبس البطن، لأنه يحتاج إلى رطوبة كثيرة يبتل بها قبل أن ينهضم (7).