نفخ الشعير عنه إذا طبخ، لان الشعير للطافة جوهره إذا أحكم طبخه، زالت عنه نفخه ورياحه جملة.
والباقلى فلغلظ (1) جوهره، صار لو عولج بأصناف العلاج، لم تزل عنه رياحه ونفخه إلا أنها تقل وتكثر على حسب ما يلحقه من الصنعة. وسنبين ذلك في استكمالنا هذا الباب إن شاء الله ويستدل على غلظ رياح الباقلي وبعد انحلاله مما يعرض لآكله من التمدد والازدحام وانتفاخ الجنبين عند استعماله، وإن كان المستعمل له صحيحا.
ولجالينوس في هذا فصل قال فيه: إن من يفقد حاله حتى يقف على ما يعرض له من اختلاف الحال عند تناول الأطعمة الغليظة، وقف على أنه، عند أكله الباقلي، في بدنه كله تمددا يدله على أن ريحا (2) غليظة نافخة تهدد الأعضاء ولا سيما فيمن لم يعتد أكله، أو من أكله وهو غير محكم الصنعة.
وله فيه قول آخر: إن الباقلي على سبيل الغذاء أشد نفخا وأعسر انهضاما، وعلى سبيل الدواء معين على نفث الرطوبات من الصدر والرئة، لان فيه من الجلاء شبيه بما في الشعير. ولذلك صار غير مولد للسدد ولا يبطئ في انحداره عن المعدة وسائر البطن، كما تبطئ الأطعمة الغليظة الفاعلة الجلاء، مثل الجشيش والسميذ وما شاكلهما. ويستدل على جلائه من جهتين: إحداهما: عذوبته وقربه من الحلاوة.
والثانية: معونته على نفث الرطوبات من الصدر والرئة وتنقيته لظاهر البدن إذا طلي عليه من خارج وتليينه للبشرة. ولذلك صار نافعا من الكلف محللا طلى (3) أورام الثديين والأنثيين (4). وكثير (5) ممن يحب الزينة يكثر الاغتسال به دائما لينقي بشرته ويحسن لونها. وكل هذه الفضائل فإنها هي في جوهره ولبابه المميز من قشره. وأما قشره، فبعيد من ذلك جدا لان قوته قابضة ليس فيها شئ من الجلاء. ولذلك صار كثير (4) من الناس يطحنون الباقلي بقشره بالخل ويطعمونه لمن كان به إسهال عن ضعف القوة الماسكة التي في المعاء.
والمختار من الباقلي ما كان عظيما أبيض حديثا غير عتيق ولا مأكول (6). وقد يتخذ الباقلي على ضروب من الصنعة، فتحدث له في غذائه أفاعيل مختلفة. وذلك أن منه ما يتخذ مطبوخا، ومنه ما يستعمل مسلوقا، ومنه ما يشوى مدفونا في جوف جمر، ومنه ما يقلى على مقلى أو على طابق (7).
فأفضل الباقلي وأحمده ما كان مطبوخا لان الماء الذي يطبخ فيه يفيده رطوبة ويلطف غلظه ويزيل عنه أكثر رياحه ونفخه ويسرع انهضامه وانحداره، ولا سيما إذا سلق بالماء ورمي بمائه الذي سلق فيه، وطبخ بماء ثان، لان أكثر رياحه يزول في الماء الأول، وإن كان ذلك ناقصا من لذاذته وطيب طعمه.
وقد يستعمل هذا الضرب أيضا على جهتين: لان منه ما يطبخ بقشره، ومنه ما يطبخ بغير قشره. فغليظ (8)