انا في دهياء من مظلمة * تحمل الشيخ على كل غلط صعبة المسلك يرتاع لها * كل من اصعد فيها وهبط بوأني منك كما بوأتهم * عرصة تبسط طرفي ما انبسط أبتني فيها لنفسي موطنا * ولعقبي فرطا بعد فرط لم يزل منك قريبا مسكني * فأعد لي عادة القرب فقط كل من قربته مغتبط * ولمن أبعدت خزي وسخط فاقطعه دارا وأعطاه ألف دينار لنفقته عليها.
اخباره مع الواثق روى أبو الفرج في الأغاني انه لما بويع الواثق بالخلافة دخل عليه الحسين بن الضحاك فأنشده قصيدته التي أولها:
ألم يرع الاسلام موت نصيره * بلى حق ان يرتاع من مات ناصره سيسليك عما فات دولة مفضل * أوائله محمودة وأواخره ثنى عطفه وألف الله شخصه (1) * على البر مذ شدت عليه مآزره يصيب ببذل المال حتى كأنما * يرى بذله للمال نهبا يبادره وما قدم الرحمن الا مقدما * موارده محمودة ومصادره فقال الواثق ان كان الحسين لينطق عن حسن طوية ويمدح بخلوص نية ثم أمر بان يعطى لكل بيت قاله من هذه القصيدة ألف درهم وقال إسحاق الموصلي نقل حسين كلام أبي العتاهية في الرشيد حتى جاء بألفاظه بعينها حيث يقول:
جرى لك من هارون بالسعد طائره * امام اعتزام لا تخاف بوادره امام له رأي حميد ورحمة * موارده محمودة ومصادره وروى عن إبراهيم بن الحسن بن سهل: كنا مع الواثق بالقاطول وهو يتصيد فصاد صيدا حسنا من الأوز والدراج وطير الماء وغير ذلك ثم رجع فتغدى وقال من ينشدنا فقام الحسين بن الضحاك فأنشده:
سقى الله بالقاطول مسرح طرفكا * وخص بسقياه مناكب قصركا حتى انتهى إلى قوله:
تحين للدراج في جنباته * وللغر آجال قدرن بكفكا حتوفا إذا وجهتهن قواضيا * عجالا إذا أغررتهن بزجركا قضيت لبانات وأنت مخيم * مريح وان شطت مسافة عزمكا وما نال طيب العيش الا مودع * وما طاب عيش نال مجهود كدكا فقال الواثق ما يعدل الراحة ولذة الدعة شئ فلما انتهى إلى قوله:
خلقت أمين الله للخلق عصمة * وامنا فكل في ذراك وظلكا وثقت بمن سماك بالغيب واثقا * وثبت بالتأييد أركان ملككا فأعطاك معطيك الخلافة شكرها * وأسعد بالتقوى سريرة قلبكا وزادك من أعمارنا غير منة * عليك بها اضعاف اضعاف عمركا ولا زالت الاقدار في كل حالة * عداة لمن عاداك سلما لسلمكا إذا كنت من جدواك في كل نعمة * فلا كنت ان لم أفن عمري بشكركا فطرب الواثق فضرب الأرض بمخصرة كانت في يده وقال لله درك يا حسين ما أقرب قلبك من لسانك فقال يا أمير المؤمنين جودك ينطق المفحم بالشعر والجاحد بالشكر فقال لن تنصرف الا مسرورا ثم أمر له بخمسين ألف درهم اه. وهذا الشاعر يطلب من الله تعالى ان يعطي الواثق من أعمارهم اضعاف اضعاف عمره ولو طلب يوما واحدا من عمره لما سمح له به ومع ذلك يقول له الواثق ما أقرب قلبك من لسانك ويجيزه بخمسين ألف درهم. وروى صاحب الأغاني انه لما ولي الواثق الخلافة جلس للناس ودخل إليه المهنئون والشعراء فمدحوه وهنؤوه ثم استأذن حسين بن الضحاك بعدهم في الإنشاد وكان من الجلساء فترفع عن الإنشاد مع الشعراء فاذن له فأنشده قوله:
أكاتم وجدي فما ينكتم * بمن لو شكوت إليه رحم واني على حسن ظني به * لا حذر ان بحت ان يحتشم ولي عند لحظته روعة * تحقق ما ظنه المتهم وقد علم الناس اني له * محب واحسبه قد علم واني لمغض على لوعة * من الشوق في كبدي تضطرم عشية ودعت عن مقلة * سفوح وزفرة قلب سدم فما كان عند النوى مسعد * سوى العين تمزج دمعا بدم سيذكر من بان أوطانه * ويبكي المقيمين من لم يقم وقال فيها يصف السفنية:
إلى خازن الله في خلقه * سراج النهار وبدر الظلم رحلنا غرابيب زفافة * بدجلة في موجها الملتطم إذا ما قصدنا لقاطولها * ودهم قراقيرها تصطدم سكنا إلى خير مسكونة * تيممها راغب من أمم مباركة شاد بنيانها * بخير المواطن خير الأمم كان بها نشر كافورة * لبرد نداها وطيب النسم كظهر الأديب إذا ما السحاب * صاب على متنها وانسجم مبرأة من وحول الشتاء * إذا ما طمى وحله وارتكم فما ان يزال بها راجل * يمر الهوينا ولا يلتطم ويمشي على رسله آمنا * سليم الشراك نقي القدم وللنون والضب في بطنها * مراتع مسكونة والنعم غدوت على الوحش مغترة * رواتع في نورها المنتظم ورحت عليها وأسرابها * تحوم بأكنافها تبتسم ثم قال يمدح الواثق:
يضيق الفضاء به ان عدا * بطودي أعاريبه والعجم ترى النصر يقدم راياته * إذا ما خفقن امام العلم وفي الله دوخ أعداءه * وجرد فيهم سيوف النقم وفي الله يكظم من غيظه * وفي الله يصفح عمن جرم رأى شيم الجود محمودة * وما شيم الجود الا قسم فراح على نعم واغتدى * كان ليس يحسن الأنعم فامر له الواثق بثلاثين ألف درهم ولم يزل من ندمائه.
اخباره مع المتوكل روى أبو الفرج في الأغاني ان المتوكل أحب ان ينادمه حسين بن الضحاك فأحضره وقد كبر وضعف وفي مروج الذهب ونحوه في الأغاني ذكر