محمد بن أبي عون قال حضرت مجلس المتوكل في يوم نيروز وعنده محمد بن عبد الله بن طاهر وبين يديه الحسين بن الضحاك الخليع الشاعر فامر المتوكل خادما على رأسه حسن الصورة ان يحيي الحسين بتفاحة عنبر ففعل فالتفت المتوكل إلى الحسين فقال قل فيه أبياتا فأنشأ يقول:
وكالدرة البيضاء حيا بعنبر * وكالورد يسعى في قراطق كالورد له عبثات عند كل تحية * بعينيه تستدعي الخلي إلى الوجد تمنيت ان أسقى بكفيه شربة * تذكرني ما قد نسيت من العهد سقى الله دهرا لم أبت فيه ساعة * من الليل الا من حبيب على وعد وفي رواية الأغاني فقال المتوكل يحمل إلى حسين لكل بيت مائة دينار فالتفت إليه محمد بن عبد الله ابن طاهر كالمتعجب وقال لم ذاك يا أمير المؤمنين فوالله لقد أجاب فأسر وذكر فأوجع وأطرب فأمتع ولولا أن يد أمير المؤمنين لا تطاولها يد لأجزلت له العطاء ولو أحاط بالطارف والتالد فخجل المتوكل وقال يعطى الحسين بكل بيت ألف دينار.
وفي الأغاني عن علي بن الجهم: دخلت يوما على المتوكل وهو جالس في صحن خلدة وفي يده غصن آس وهو يتمثل بهذا الشعر:
بالشط لي سكن أفديه من سكن * أهدى من الآس لي غصنين في غصن فقلت إذ نظما ألفين والتبسا * سيفا ورعيا لفال فيكما حسن الآس لا شك آس من تشوقنا * شاف وآس لما يبقى على الزمن بشرتماني بأسباب ستجمعنا * ان شاء ربي ومهما يقضه يكن فقال لي وكدت انشق حسدا: لمن هذا الشعر يا علي فقلت للحسين ابن الضحاك يا سيدي فقال لي هو عندي أشعر أهل زماننا وأملحهم مذهبا وأطرفهم نمطا فقلت وقد زاد غيظي: في الغزل يا مولاي قال وفي غيره وان رغم انفك ومت حسدا. وروى صاحب الأغاني انه كان للحسين بن الضحاك ابن يسمى محمدا له أرزاق فمات فقطعت أرزاقه فقال يخاطب المتوكل ويسأله ان يجعل أرزاق ابنه المتوفى لزوجته وأولاده:
اني اتيتك شافعا * بولي عهد المسلمينا وشبيهك المعتز * أوجه شافع في العالمينا يا ابن الخلائف الأولين * ويا أبا المتأخرينا ان ابن عبدك مات والأيام * تخترم القرينا ومضى وخلف صبية * بعراصه متلددينا ومهيرة عبرى خلاف * أقارب مستعبرينا أصبحن في ريب الحوادث * يحسنون بك الظنونا قطع الولاة جراية * كانوا بها متمسكينا فامنن برد جميع ما * قطعوه غير مراقبينا أعطاك أفضل ما تؤمل * أفضل المتفضلينا فأمره المتوكل له بما سال فقال يشكره:
يا خير مستخلف من آل عباس * أسلم وليس على الأيام من باس أحييت من أملي نضوا تعاوره * تعاقب اليأس حتى مات باليأس وروى صاحب الأغاني ان المتوكل أمر ان ينادمه حسين بن الضحاك ويلازمه فلم يطق ذلك لكبر سنه فقال للمتوكل بعض الحاضرين هو يطيق الذهاب إلى القرى وأماكن أخرى ويعجز عن خدمتك فبلغه ذلك فأرسل إلى المتوكل هذه الأبيات:
أما في ثمانين وفيتها * عذير وان أنا لم اعتذر فكيف وقد جزتها صاعدا * مع الصاعدين بتسع آخر وقد رفع الله أقلامه * عن ابن ثمانين دون البشر سوى من أصر على فتنة * وألحد في دينه أو كفر واني لمن أسراء الاله في * الأرض نصب صروف القدر فان يقض لي عملا صالحا * أثاب وان يقض شرا غفر فلا تلح في كبر هدني فلا * ذنب لي ان بلغت الكبر هو الشيب حل بعقب الشباب * فأعقبني خورا من أشر وقد بسط الله لي عذره * فمن ذا يلوم إذا ما عذر واني لفي كنف مغدق * وعز بنصر أبي المنتصر يباري الرياح بفضل السماح * حتى تبلد أو تنحسر له اكد الوحي ميراثه * ومن ذا يخالف وحي السور وما للحسود وأشياعه * ومن كذب الحق الا الحجر فامر له المتوكل بعشرين ألف درهم فحملت إليه. وفي الأغاني عن حسين بن الضحاك: ضربني الرشيد بصحبتي ولده الأمين ثم ضربني الأمين لممايلة ابنه عبد الله ثم ضربني المأمون لميلي إلى الأمين ثم ضربني المعتصم لمودة كانت بيني وبين العباس بن المأمون ثم ضربني الواثق لذهابي إلى المتوكل ثم تغاضب المتوكل علي ولعا بي فقلت ان كنت تريد ضربي كما ضربني آباؤك فان آخر ضرب ضربته بسببك فضحك وقال بل أحسن إليك وأصونك وأكرمك.
وقال في المتوكل والفتح بن خاقان كما في مروج الذهب:
ان الليالي لم تحسن إلى أحد * الا أساءت إليه بعد احسان أما رأيت خطوب الدهر ما فعلت * بالهاشمي وبالفتح بن خاقان اخباره مع المنتصر روى أبو الفرج في الأغاني انه لما ولي المنتصر الخلافة دخل عليه الحسين بن الضحاك فهناه بالخلافة وأنشده:
تجددت الدنيا بملك محمد * فأهلا وسهلا بالزمان المجدد هي الدولة الغراء راحت وبكرت * مشمرة بالرشد في كل مشهد لعمري لقد شدت عرى الدين بيعة * أعز بها الرحمن كل موحد هنتك أمير المؤمنين خلافة * جمعت بها أهواء أمة أحمد فاظهر اكرامه والسرور به وقال إن في بقائك بهاء للملك وقد ضعفت عن الحركة فكاتبني بحاجاتك ولا تحمل على نفسك بكثرة الحركة ووصله بثلاثة آلاف دينار ليقضي بها دينا بلغه انه عليه وقال الحسين فيه وقد ركب وهو آخر شعر قاله:
ألا ليت شعري أ بدر بدا * نهارا أم الملك المنتصر امام تضمن أثوابه * على سرجه قمرا من بشر حمى الله دولة سلطانه * بجند القضاء وجند القدر فلا زال ما بقيت مدة * يروح بها الدهر أو يبتكر