كثير التحقيق به والموالاة له لكثرة إفضاله عليه وميله إليه وتقديمه إياه وبلغ من جزعه عليه انه خولط فكان ينكر قتله ومن مراثيه إياه قوله:
سألونا ان كيف نحن فقلنا * من هوى نجمه فكيف يكون نحن قوم أصابنا حدث الدهر * فظلنا لريبه نستكين نتمنى من الأمين إيابا * لهف نفسي وأين مني الأمين ومن جيد مراثيه إياه قوله:
أعزي يا محمد عنك نفسي * معاذ الله والأيدي الجسام فهلا مات قوم لم يموتوا * ودوفع عنك لي يوم الحمام كان الموت صادف منك غنما * أو استشفى بقربك من سقام اخباره مع المأمون روى أبو الفرج في الأغاني انه لما قدم المأمون من خراسان إلى بغداد امر بان يسمى له قوم من أهل الأدب ليجالسوه ويسامروه فذكر له جماعة فيهم الحسين بن الضحاك وكان من جلساء محمد المخلوع فقرأ أسماءهم حتى بلغ إلى اسم حسين فقال أليس هو الذي يقول في محمد:
هلا بقيت لسد فاقتنا * ابدا وكان لغيرك التلف فلقد خلفت خلائفا سلفوا * ولسوف يعوز بعدك الخلف لا لا حاجة لي فيه والله لا يراني ابدا الا في الطريق ولم يعاقب الحسين على ما كان من هجائه له وتعريضه به وانحدر الحسين إلى البصرة فأقام بها طول أيام المأمون. وروى أيضا صالح بن الرشيد قال دخلت يوما على المأمون ومعي بيتان للحسين بن الضحاك فقلت يا أمير المؤمنين أحب أن تسمع مني بيتين قال أنشدهما فأنشدته:
حمدنا الله شكرا إذ حبانا * بنصرك يا أمير المؤمنينا فأنت خليفة الرحمن حقا * جمعت سماحة وجمعت دينا فقال لمن هذان البيتان يا صالح فقلت لعبدك يا أمير المؤمنين حسين ابن الضحاك قال قد أحسن قلت وله يا أمير المؤمنين أجود من هذا قال وما هو فأنشدته قوله:
أيبخل فرد الحسن فرد صفاته * علي وقد أفردته بهوى فرد رأى الله عبد الله خير عباده * فملكه والله أعلم بالعبد فاطرق ساعة ثم قال ما تطيب نفسي له بخير بعد ما قال في أخي محمد ما قال. وفي رواية ابن عساكر بعد ذكر البيتين فوجه إليه بخمسة آلاف درهم وخمس خلع. وفي الأغاني أيضا عن عمرو بن نباتة انهم كانوا عند صالح بن الرشيد قال فبعث صالح إلى منزلي فجئ إليه بدفاتر الغناء ليختار منها ما يلقيه على جواريه وغلمانه فاخذ منها دفترا فمر به شعر الحسين بن الضحاك يرثي الأمين ويهجو المأمون وهو:
أطل حزنا وابك الامام محمدا * بحزن وان خفت الحسام المهندا فلا تمت الأشياء بعد محمد * ولا زال شمل الملك منها مبددا ولا فرح المأمون بالملك بعده * ولا زال في الدنيا طريدا مشردا فقال لي صالح أنت تعلم أن المأمون يجئ إلي في كل ساعة فإذا قرأ هذا ما تراه يفعل ثم دعا بسكين وجعل يحكه وصعد المأمون من الدرجة ورمى صالح الدفتر فقال المأمون يا غلام الدفتر فاتي به فرأى الحك فقال إن قلت لكم ما فيه تصدقوني قلنا نعم ينبغي ان يكون أخي قال لك ابعث فجئ بدفاترك ليتخير منها ما يطرح فوقف على هذا الشعر فكره ان أراه فامر بحكه قلنا كذا كان فقال عنه يا عمرو وقلت الشعر لحسين بن الضحاك فقال وما يكون غنه فغنيته فقال ردده فرددته ثلاث مرات فامر لي بثلاثين ألف درهم وقال حتى تعلم أنه لم يضررك عندي. ولكن في رواية أخرى أن المأمون رضي عنه بعد ذلك روى أبو الفرج عن محمد بن عباد قال لي المأمون وقد قدمت من البصرة كيف ظريف شعرائكم وواحد مصركم قلت ما اعرفه قال ذاك الحسين بن الضحاك أشعر شعرائكم وأظرف ظرفائكم أليس هو الذي يقول:
رأى الله عبد الله خير عباده * فملكه والله أعلم بالعبد ما قال في أحد من شعراء زماننا بيتا أبلغ من بيته هذا فاكتب إليه فاستقدمه وكان حسين عليلا وكان يخاف بوادر المأمون لما فرط منه فقلت انه عليل علته تمنعه من الحركة والسفر قال فخذ كتابا إلى عامل خراجكم بالبصرة حتى يعطيه ثلاثين ألف درهم فأخذت الكتاب وأنفذته إليه فقبض المال اه. لكن لم يذكر مجيئه إلى بغداد ويدل خبره الآتي مع المعتصم انه بقي بالبصرة إلى زمن المعتصم. ولكن في خبر آخر في الأغاني ان المأمون استقدمه ورضي عنه لكنه امتنع من استخدامه وان ابن البواب قدم إليه رقعة فيها الأبيات التي منها هذا البيت وتعدد الواقعة ممكن ولعله عاد إلى البصرة وبقي فيها إلى زمن المعتصم وبذلك يمكن الجمع بين الاخبار المختلفة فروى فيه ان ابن البواب الحاجب ادخل إلى المأمون رقعة فيها أبيات وقال إن رأى أمير المؤمنين ان يأذن لي في انشادها فظنها له فقال هات فأنشده:
أجرني فاني قد ظمئت إلى الوعد * متى تنجز الوعد المؤكد بالعهد أعيذك من خلف الملوك وقد بدا فقد * ترى تقطع أنفاسي عليك من الوجد أيبخل فرد الحسن عني بنائل * قليل وقد أفردته بهوى فرد إلى أن بلغ فيها إلى قوله:
رأى الله عبد الله خير عباده * فملكه والله أعلم بالعبد الا انما المأمون للناس عصمة أ * مميزة بين الضلالة والرشد فقال المأمون أحسنت يا عبد الله فقال يا أمير المؤمنين أحسن قائلها قال ومن هو فقال عبدك حسين الضحاك فغضب فقطب ثم قال لا حيا الله من ذكرت ولا بياه ولا قربه ولا أنعم به عينا أ ليس هو القائل:
أعيناي جودا وابكيا لي محمدا * ولا تذخرا دمعا عليه وأسعدا فلا تمت الأشياء بعد محمد * ولا زال شمل الملك فيه مبددا ولا فرح المأمون بالملك بعده * ولا زال في الدنيا طريدا مشردا هذا بذاك ولا شئ عندنا فقال له ابن البواب فأين فضل احسان أمير المؤمنين وسعة حلمه وعادته في العفو فامر باحضاره فسلم فرد عليه السلام ردا جافيا خفيفا ثم قال اخبرني قبل كل شئ هل عرفت يوم قتل أخي هاشمية سلبت أو هتكت قال لا قال فما معنى قولك:
وسرب ظباء من ذؤابة هاشم * هتفن بدعوى خير حي وميت أرد يدا مني إذا ما ذكرته * على كبد حرى وقلب مفتت