فلا بات ليل الشامتين بغبطة * ولا بلغت آمالها ما تمنت فقال يا أمير المؤمنين لوعة غلبتني وروعة فاجأتني ونعمة فقدتها بعد أن غمرتني واحسان شكرته فأنطقني وسيد فقدته فأقلقني فان عاقبت فبحقك وان عفوت فبفضلك فدمعت عينا المأمون قال قد عفوت عنك وأمرت بادرار أرزاقك واعطائك ما فات منها وجعلت عقوبة ذنبك امتناعي من استخدامك اه. وقوله هل عرفت يوم قتل أخي هاشمية سلبت أو هتكت يدل على أن مع الأبيات الثلاثة بيتان من الستة السابقة هما ومهتوكة البيت إذا أحفزتها البيت وقد أوردهما القاضي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة قبل الأبيات الثلاثة المتقدمة عند ذكر هذه القصة ولم يوردهما أبو الفرج معها ومر عند ذكر تشيعه ان قوله هتفن بدعوى وقوله مهتوكة لا يناسب ان يكن قد قيل في غير يوم الطف وروى في الأغاني أيضا انه لما أعيت حسين بن الضحاك الحيلة في رضا المأمون عنه رمي بأمره إلى عمرو بن مسعدة وكتب إليه:
أنت طودي من بين هذي الهضاب * وشهابي من دون كل شهاب أنت يا عمرو قوتي وحياتي * ولساني وأنت ظفري ونابي أتراني انسى أياديك البيض * إذا اسود نائل الأصحاب أين عطف الكرام في ماقط الحاجة * يحمون حوزة الآداب أين أخلاقك الرضية حالت * في أم أين رقة الكتاب انا في ذمة السحاب واظما * ان هذا لوصمة في السحاب قم إلى سيد البرية عني * قومة تستجر حسن خطاب فلعل الاله يطفئ عني * بك نارا علي ذات التهاب فلم يزل عمرو يلطف للمأمون حتى أوصله إليه وأدر أرزاقه.
اخباره مع المعتصم لم يكن الخلفاء يصبرون عن مثله فالمعتصم مع علمه بما قاله في أخيه المأمون استدعاه من البصرة ونادمه ومدحه فاجازه بالجوائز السنية وروى صاحب الأغاني انه لما ولي المعتصم الخلافة سال عن حسين بن الضحاك فأخبر بإقامته بالبصرة لانحراف المأمون عنه فامر بمكاتبته بالقدوم عليه فقدم فلما دخل استأذن في الإنشاد فاذن له فأنشده قوله:
هلا سالت تلذذ المشتاق * ومننت قبل فراقه بتلاق ان الرقيب ليستريب تنفسا * صعدا إليك وظاهر الاقلاق ولئن أربت لقد نظرت بمقلة * عبرى عليك سخينة الاماق نفسي الفداء لخائف مترقب * جعل الوداع إشارة بعناق إذ لا جواب لمفحم متحير * الا الدموع تصان بالاطراق حتى انتهى إلى قوله:
خير الوفود مبشر بخلافة * خصت ببهجتها أبا إسحاق وافته في الشهر الحرام سليمة * من كل مشكلة وكل شقاق أعطته صفقتها الضمائر طاعة * قبل الأكف بأوكد الميثاق سكن الأنام إلى امام سلامة * عف الضمير مهذب الأخلاق فحمى رعيته ودافع دونها * وأحبار مملقها من الإملاق حتى أتمها فقال له المعتصم ادن مني فدنا منه فملأ فمه جواهر من جوهر كان بين يديه ثم أمره بان يخرجه من فيه فأخرجه وأمر بان ينظم ويدفع إليه ويخرج إلى الناس وهو في يده ليعلموا موقعه من رأيه ويعرفوا فعله فكان أحسن ما مدح به يومئذ قال: ومما قدمه أهل العلم على سائر ما قالته الشعراء قول حسين بن الضحاك في المعتصم والظاهر أنه من تتمة القصيدة السابقة حيث قال:
قل للأولى صرفوا الوجوه عن الهدى * متعسفين تعسف المراق اني أحذركم بوادر ضيغم * درب بحطم موائل الأعناق متأهب لا يستفز جنانه * زجل الرعود ولامع الأبراق لم يبق من متعزمين توثبوا * بالشام غير جماجم أفلاق من بين منجدل تمج عروقه * علق الأخادع أو أسير وثاق وثنى الخيول إلى معاقل قيصر * تختال بين اجرة ودقاق يحملن كل مشمر متغشم * ليث هزبر أهرت الأشداق حتى إذا أم الحصون منازلا * والموت بين ترائب وتراق هرت بطارقها هرير قساور * بدهت باكره منظر ومذاق ثم استكانت للحصار ملوكها * ذلا وناط حلوقها بخناق هربت وأسلمت الصليب عشية * لم يبق غير حشاشة الأرماق فامر المعتصم لكل بيت بألف درهم وقال له أنت تعلم يا حسين ان هذا أكثر ما مدحني (1) به مادح في دولتنا فقبل الأرض بين يديه وشكره وحمل المال معه اه. وفي الأغاني عن الحسين بن الضحاك. غضب المعتصم علي في شئ فقال والله لأؤدبنه وحجبني أياما فكتبت إليه:
غضب الامام أشد من أدبه * وقد استجرت وعذت من غضبه أصبحت معتصما بمعتصم * أثنى الاله عليه في كتبه لا والذي لم يبق لي سببا * أرجو النجاة به سوى سببه ما لي شفيع غير حرمته * ولكل من أشفى على عطبه فلما قرئ عليه التفت إلى الواثق ثم قال بمثل هذا الكلام يستعطف الكرام ما هو الا ان سمعت أبيات حسين هذه حتى أزالت ما في نفسي عليه فقال له الواثق هو حقيق بان يوهب له ذنبه ويتجاوز عنه فرضي ثم حكى ان هذه الأبيات انما كتب بها إلى المعتصم على يد الواثق لما بلغه انه مدح العباس بن المأمون وتمنى له الخلافة فطلبه فاستتر فأوصلها الواثق وشفع له فرضي عنه وهجا العباس بن المأمون فقال:
خل الضعيف وما اكتسب * لا زال منقطع السبب يا عرة الثقلين لا * دينا رعيت ولا حسب حسد الامام مكانه * جهلا حذاك على العطب وأبوك قدمه لها * لما تخير وانتخب ما تستطيع سوى التنفس * والتجرع للكرب ما زلت عند أبيك * منتقص المروءة والأدب وروى صاحب الأغاني ان المعتصم اقطع الناس الدور بسر من رأى وأعطاهم النفقات لبنائها ولم يقطع الحسين بن الضحاك شيئا فدخل عليه فأنشده قوله:
يا أمين الله لا خطة لي * ولقد أفردت صحبي بخطط