سبقهما إلى ذلك الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك ولكنه بطرز غير هذا الطرز المتأخر الذي انفرد به الشهيد الثاني وتلميذه فهذه مفخرة للعلماء العامليين انفردوا بها.
سبب سكناه البحرين وما جرى له فيها في لؤلؤة البحرين: ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه لما هاجر من بلاد العجم كان لابنه البهائي سبع سنين وفي اللؤلؤة وكشكول البحراني:
اخبرني والدي قدس الله سره وبحظيرة القدس سره ان السبب في مجئ الشيخ إلى البحرين انه كان في مكة المشرفة قاصدا الجوار فيها إلى أن يموت وانه رأى في المنام ان القيامة قد قامت وجاء الامر من الله سبحانه بان ترفع ارض البحرين وما فيها إلى الجنة فلما رأى هذه الرؤيا آثر الجوار فيها والموت في أرضها ورجع من مكة المشرفة وجاء البحرين ولما سمع علماء البحرين بقدومه وكان لهم مجتمع يجتمعون فيه للدرس ويحضره الفضلاء منهم في مسجد من مساجد قرية جد حفص علموا ان أن الشيخ لا بد ان يحضر بعد قدومه هذا المجتمع وكان من جملة فضلاء البحرين الشيخ داود بن أبي شافير وكانت له يد طولي في علم الجدل وقد كانت بينهم وبينه منافرة أوجبت غضبه وعدم حضوره ذلك المجتمع مدة وخروجه من جد حفص ولما سمعوا بقدوم الشيخ أرسلوا للشيخ داود المذكور وأصلحوه والتمسوا منه الحضور كما كان سابقا فاتفق ان الشيخ لما وصل إلى البحرين زاروه وعظموه بما هو أهله فاتفق انه سمع بذلك المجتمع فحضره ذات يوم وليس في ذلك الوقت فيهم من هو في مرتبته واتفق البحث كما هي العادة الجارية بين العلماء في جميع الأصقاع فابتدر الشيخ داود لمنازعة الشيخ والبحث معه مع أنه لا نسبة له في ذلك فأطال النزاع والجدال معه فلما انقضى المجلس مضى الشيخ قدس سره وكتب هذين البيتين ثم لم يحضر بعد هناك حتى توفي:
أناس في أوال قد تصدوا * لمحو العلم واشتغلوا بلم لم فان باحثتهم لم تلق منهم * سوى حرفين لم لم لا نسلم يعني انه متى ادعى دعوى طلبوا منه الدليل وإذا أقام الدليل منعوا.
وأقام الشيخ في البلاد المذكورة حتى توفي إلى رحمة الله وقبره في قرية المصلى من قرى البحرين معروف إلى الآن اه وعن السيد نعمة الله الجزائري انه كان قاضيا بالبحرين في قرية هجر ولم نجده لغيره.
أخلاقه مع عياله في مجموعة الشيخ محمد بن علي ابن حسين بن محمد بن صالح الجباعي بخط الشيخ البهائي ما صورته: كان والدي طاب ثراه إذا استشير في طبخ طعام جعل الخيرة إلى المستشير ولم أذكر انه امر بطعام يشتهيه ابدا اه.
مناظرة جرت بينه وبين أحد فضلاء حلب سنة 951 وذلك قبل سفره إلى إيران وكتب في ذلك رسالة فريدة في بابها. وقد رأيت في النجف الأشرف مجموعة فيها عدة رسائل فقهية للشهيد الثاني بخط تلميذه من آل سليمان العامليين الذي غاب عني اسمه الآن وعليها إجازة للتلميذ بخط الأستاذ ومع هذه الرسائل رسالة المترجم المذكورة وقد استنسخت يومئذ أكثر تلك الرسائل ثم طبعت ولم استنسخ الرسالة المذكورة لأنها لم تكن همتي يومئذ متوجهة إلى مثلها لأنها ليست فقيهة ثم أسفت على عدم استنساخها وبحثت عنها فلم أعثر عليها ثم اني وجدتها والحمد لله في كرمانشاه في سفري إلى خراسان سنة 1353 فاستنسخها لي السيد البار التقي السيد جواد بن إسماعيل الحسيني جزاه الله خيرا. وتدل هذه المناظرة على أن المترجم كان لا يترك التجوال في البلاد للهداية والارشاد ويستصحب معه الكتب ويرحل إلى حلب وغيرها التي تبعد عن وطنه مسيرة أيام. وها انا انقل هنا أكثر تلك الرسالة قال فيها، هذه صورة بحث وقع لهذا الفقير إلى رحمة ربه الغني حسين بن عبد الصمد الجباعي في حلب سنة 951 أضافني بعض فضلائها وكان ذكيا بحاثا وكان لي معه خصوصية وصداقة وكيدة بحيث لا أتقيه وكان أبوه من أعيان حلب. فقلت له انه يقبح بمثلي ومثلك بعد أن صرف كل منا عمره في تحصيل العلوم الاسلامية وتحقيق مقدماتها ان يقلد في مذهبه الذي يلقي الله به والتقليد مذموم بنص القرآن وليس حجة منجية لأن كل أحد يقلد سلفه فلو كان حجة كان الكل ناجين وليس كذلك فقال: هلم نبحث، فقلت هل عندكم نص على وجوب اتباع الامام أبي حنيفة فقال لا فقلت فما سوع لك تقليده فقال إنه مجتهد وانا مقلد والمقلد فرضه ان يقلد مجتهدا من المجتهدين قلت فما تقول في جعفر بن محمد الصادق هل كان مجتهدا. فقال هو فوق الاجتهاد وفوق الوصف في العلم والتقى والنسب وعظم الشأن وقد عدد بعض علمائنا من تلاميذه نحو أربعمائة رجل كلهم علماء فضلاء مجتهدون والامام أبو حنيفة أحدهم. فقلت قد اعترفت باجتهاده وتقواه وجواز تقليد المجتهد ونحن قد قلدناه فمن أين تعلم انا على الضلالة وانكم على الهداية مع انا نعتقد عصمته وانه لا يخطئ بل ما يحكم به هو حكم الله ولنا على ذلك أدلة مدونة وليس كأبي حنيفة يقول بالقياس والرأي والاستحسان ويجوز عليه الخطأ، وبعد التنزل عن عصمته والاعتراف بأنه يقول بالاجتهاد كما تزعمون فلنا دلائل على جواز اتباعه ليس في أبي حنيفة واحد منها أحدهما اجماع أهل الاسلام حتى الأشاعرة والمعتزلة على غزارة علمه ووفور تقواه وعدالته وعظم شانه بحيث اني إلى يومي هذا مع كثرة ما رأيت من كتب أهل الملل والتواريخ والسير وكتب الجرح والتعديل ونحو ذلك لم أر قط طاعنا طعن عليه بشئ من مخالفيه وأعداء شيعته مع كثرتهم وعظم شانهم في الدنيا لأنهم كانوا ملوك الأرض والناس تحب التقرب إليهم بالصدق والكذب ولم يقدر أحد ان يفتري عليه كذبا في الطعن ليتقرب به إلى ملوك عصره وما ذاك الا لعلمه انه إذا افترى كذبا كذبه كل من سمعه وهذه مزية تميز هو وآباؤه وأبناؤه الستة بها عن جميع الخلق فكيف يجوز ترك تقليد من أجمع الناس على علمه وعدالته وجواز تقليده وتقليد من وقع فيه الشك والطعن مع أن الجرح مقدم على التعديل كما تقرر وهذا امامكم الغزالي صنف كتابا سماه النجل موضوعه الطعن عليه بل فوق الطعن وصنف بعض فضلائكم كتابا اسماه النكت الشريفة في الرد عليه رأيته في مصر ذكر فيه جميع ما ذكره الغزالي وزاد أشياء اخر ولا شبهة في وجوب تقليد المتفق على علمه وعدالته لان ظن الصواب معه أغلب ولا يجوز العمل بالمرجوح مع وجود الراجح اجماعا والجرح مقدم على التعديل كما تقرر وثانيها انه عندنا من أهل البيت المطهرين بنص القرآن والتطهير هو التنزيه من الآثام وعن كل قبيح كما نص عليه ابن فارس في مجمل اللغة وهذا نفس العصمة التي يدعيها الشيعة وأبو حنيفة ليس منهم اجماعا ويتحتم تقليد المطهرين بنص القرآن لتيقن النجاة معهم. فقال نحن لا نسلم انه من أهل البيت إذ قد صح في أحاديثنا انهم خمسة. فقلت سلمنا انه ليس من الخمسة ولكن حكمه حكمهم في العصمة ووجوب الاتباع لوجهين الأول ان كل من قال بعصمة الخمسة قال بعصمته ومن لا فلا وقد ثبتت عصمة الخمسة بنص القرآن