من نحس يوم الاثنين لكونه ثالث عشر الشهر وكان قد ذكر لي قاضي العسكر ان يوم الاثنين جيد للسفر لا يكاد يتفق مثله بالنسبة إلى احكام النجوم وان سعده يغلب نحسه بسبب كونه ثالث عشر فقال لي الهندي على البديهة صدق القاضي وأما يوم السبت الذي خرجت فيه فهو صالح لكنه يقتضي انك تقيم في هذه البلدة أياما كثيرة فاتفق الأمر كما قال فان الشيخ حسين بعد مفارقتي بحث أمر المدرسة التي كان أعطاه إياها القاضي ببغداد فوجد أوقافها قليلة فاحتاج إلى ابدالها بغيرها فتوقف لأجل ذلك أحد وعشرين يوما.
هذا ما نقله الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي الجزيني تلميذ الشهيد الثاني عن الشهيد الثاني في رسالته في أحوال شيخه المذكور عرضا من أحوال المترجم وهذا من الشهيد الثاني وتلميذه يدل على علو الهمة وبعد النظر وعدم الجمود في علماء جبل عامل مع ما كانوا فيه من الضغط والاضطهاد من ملوك الدولة العثمانية وأمرائها وعلمائها ولم يعلم تدريس أي مدرسة أخذ بعد أن ترك مدرسة بغداد أم أنه لم يأخذ تدريس غيرها لكن علمنا من تاريخ ولادة ولده الشيخ البهائي ببعلبك في 18 ذي الحجة سنة 953 انه كان في ذلك الوقت ببعلبك ولعله أخذ تدريس مدرسة أخرى بها أو جاء مع الشهيد الثاني إليها وبقي يقرأ عليه، الله اعلم فان الصواب ان ولادة البهائي كانت ببعلبك ومن قال إنه ولد بقزوين فقد اشتبه بأخيه عبد الصمد مع أن سفر المترجم إلى إيران كان بعد قتل شيخه الشهيد الثاني الذي استشهد سنة 965 كما ستعرف فيمكن ان يكون المترجم سافر مع الشهيد الثاني من اسلامبول إلى خراسان لزيارة المشهد الرضوي ثم إلى العراق لزيارة المشاهد الشريفة بها ثم عادا إلى الوطن ويمكن ان يكون المترجم فارق الشهيد الثاني من اسكدار وعاد إلى بعلبك أو غيرها فالشهيد الثاني يقول في وصف رحلته هذه خرجنا من اسكدار يوم السبت لليلتين خلتا من شعبان سنة 952 ووصلنا إلى مدينة سيواس يوم الاثنين لخمس بقين من شعبان وخرجنا منها يوم الأحد 2 شهر رمضان وخرجنا في حال نزول الثلج وبتنا ليلة الاثنين على الثلج ومن غريب ما اتفق لي تلك الليلة ان نمت يسيرا فرأيت كأني في حضرة شيخنا الجليل الكليني ومعي جماعة من أصحابي منهم رفيقي وصديقي الشيخ حسين بن عبد الصمد الخ وظاهر قوله رفيقي انه رفيقه في ذلك السفر حال رؤيته المنام لا الذي كان رفيقه قبلا ثم انه ما انتظره في اسكدار الا ليرافقه ولو كان فارقه من اسكدار لذكر ذلك ولم يذكر انه بقي معه لأنه باق على ما كان عليه قبل وإذا كان الشهيد الثاني وصل اسكدار 11 رجب سنة 952 وانتظر المترجم بها 21 يوما ثم خرجا يكون خروجهما منها في 2 شعبان سنة 952 كما ذكره الشهيد الثاني في الرحلة هذا ولكن الشهيد الثاني قال في آخر الرحلة وكان وصولنا إلى البلاد 15 صفر سنة 953 وبعدها باشر التدريس في بعلبك ولم يعلم مدة بقائه فيها. قال: ثم فارقناها إلى بلدنا وبقينا في بلدنا إلى سنة 955 وإذا كانت ولادة البهائي في بعلبك في 18 ذي الحجة سنة 953 تكون ولادته قبل ورود الشهيد الثاني إليها بشهرين الا يومين فيكون المترجم قد وردها في ذلك التاريخ أو قبله الا ان يكون البهائي ولد في غياب أبيه أو يكون قد فارق الشهيد الثاني من العراق وجاء قبله بمدة إلى بعلبك أو فارقه من اسكدار، الله أعلم. ثم إن المترجم كان في سنة 954 باقيا في جبل عامل كما يدل عليه مقابلته كتب الحديث مع شيخه المذكور بهذا التاريخ كما مر.
سفره إلى إيران وسببه ثم سافر باهله وعياله واتباعه وفيهم ولده البهائي إلى إيران بعد شهادة شيخه الشهيد الثاني كما صرح به صاحب تاريخ عالم آراي فيما مر وكما يدل عليه قول المترجم في خطبة رسالته في الدراية التي يظهر انه ألفها في إيران: ومما حثني على تأليف هذه الرسالة بعد هربي من أهل الطغيان والنفاق وأوجبه علي بعد اتصالي بدولة الايمان والوفاق الخ. فدل على أنه كان الباعث على سفره ما حدث من الخوف على العلماء في جبل عامل بسبب ما جرى على الشهيد الثاني ولم يكن لهم ملجا في ذلك الوقت غير إيران التي عرف ملوكها بتعظيم أهل العلم مضافا إلى علو همته واعتياده على الاسفار وتحمل المشاق اما تاريخ سفره إلى إيران فيمكن كونه في أثناء سنة 965 التي استشهد فيها شيخه المذكور ويمكن كونه في السنة التي بعدها أو أكثر والاعتبار يقتضي ان يكون سفره فيها أو بعدها بقليل أما ما حكاه صاحب اللؤلؤة عن بعض مشايخه المعاصرين من أن المترجم لما سافر من جبل عامل إلى إيران كان عمر ولده البهائي سبع سنين فلا يكاد يصح لأن البهائي ولد سنة 953 فإذا كان عمره عند سفر أبيه سبع سنين يكون سفر أبيه سنة 960 فيكون سفره في حياة الشهيد الثاني لا بعد شهادته وقد عرفت انه كان بعد شهادته.
وصوله إلى أصفهان وانتقاله إلى قزوين فوصل أولا إلى أصفهان وكانت عاصمة الملك يومئذ قزوين وبها الشاه طهماسب الصفوي الأول وكان في أصفهان عالم من علماء جبل عامل وهو الشيخ زين الدين علي العاملي المعروف أبوه بمنشار وهو الذي تزوج الشيخ البهائي بعد ذلك ابنته وكان الشيخ علي المذكور شيخ الاسلام بأصفهان في ذلك الوقت فعطفته على المترجم عاطفة الوطن بكون كل منهما عامليا وما رأى من فضل المترجم ومن مهاجرته باهله وعياله مع قلة ذات يده في مثل تلك الحال وهو في بلاد الغربة ولا بد أن الشيخ علي كان على جانب من التقوى والاخلاص فلم تخالجه سجية الحسد الموجودة في جملة من أهل العلم الذين يخافون من تفوق غيرهم ان يفوتهم شئ من عرض الدنيا فأخبر الشيخ علي الشاه طهماسب بورود المترجم إلى أصفهان ووصف له علمه وفضله وجلالة قدره وكان الملوك الصفوية في حاجة إلى مثل المترجم لينصبوه في مرتبة شيخ الاسلام فأرسل الشاه إليه بهدايا ولعل هذه العاطفة سببت تزوج البهائي بابنة الشيخ علي المنشار المذكور.
وفي الرياض (1) ان المترجم توجه في زمن الشاه طهماسب الصفوي من جبل عامل مع جميع توابعه وأهل بيته إلى أصفهان وأقام بها ثلاث سنين مشتغلا بإفادة العلوم الدينية وإفاضة المعارف اليقينية ويستفيد منه فيها علماء عراق العجم ولما اطلع الفاضل الشيخ علي الملقب بالمنشار الذي هو شيخ الاسلام بأصفهان على وروده أخبر الشاه طهماسب بوروده وكان الشاه في بلدة قزوين فكتب الشاه كتابا بخط يده إلى المترجم وأرسل له الخلعة وطلب منه الحضور إلى بلدة قزوين مقر سلطنته في ذلك الوقت فحضر إلى قزوين فعظمه الشاه وبجله غاية التعظيم و التبجيل وجعله شيخ الاسلام بقزوين وهو أكبر منصب علمي ديني في الدولة الصفوية كما كان في الدولة