فثبتت عصمته لأنه قد وقع الاجماع على أنه لا فرق بينه وبينهم فالقول بعصمتهم دونه خلاف اجماع المسلمين الثاني انه قد اشتهر بين أهل النقل والسير ان جعفر الصادق وآباءه ع لم يترددوا إلى مجالس العلماء أصلا ولم ينقل ترددهم مخالف ولا مؤالف مع كثرة المصنفين في الرجال وطرق النقل وتعداد الشيوخ والتلاميذ وانما ذكروا انه اخذ العلم عن أبيه محمد الباقر وذكروا انه أخذ العلم عن أبيه زين العابدين وهو اخذ عن أبيه الحسين ع وهو من أهل البيت اجماعا وقد صح عندنا عنهم ع انه لم يكن قولهم بطريق الاجتهاد ولهذا لم يسأل أحد منهم قط صغيرا ولا كبيرا عن مسالة فتوقف في جوابها أو احتاج إلى مراجعة وقد صرحوا ع بان قول الواحد منهم كقول آبائهم وقول آبائهم كقول النبي ص.
وثبت ذلك عندنا بالطرق المصححة المتصلة بهم فقوله هو قول المطهرين بنص القرآن وثالثها ما ثبت في صحاح أحاديثكم بالطرق الصحيحة المتكثرة المتحدة المعنى المختلفة اللفظ من قوله ع اني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وفي بعض الطرق اني تارك فيكم خليفتين كتاب الله وعترتي فصرح بان المتمسك بكتاب الله وعترته لن يضل ولم يتمسك بهما الا الشيعة كما لا يخفى واما باقي الطوائف فإنهم جعلوا عترته كباقي الناس وتمسكوا بغيرهم ولم يقل مخلف فيكم كتاب الله وفلان وفلان من أهل المذاهب فكيف يجوز ترك التمسك بمن يتحقق النجاة بالتمسك به ويتمسك بمن لم تعلم النجاة معه ان هذا لمحض السفه والضلال وهذا يقتضي العلم بوجوب اتباعهم وان نوزع فيه فلا ريب في اقتضائه ظن وجوب الاتباع وذلك كاف لوجوب العمل بالراجح وحيث لهم هذه المرجحات على غيرهم من المجتهدين فلا يكون العدول عنهم الا اتباعا للهوى والتقليد المألوف فقال انا لا أشك في اجتهادهم وغزارة علمهم ونجاة مقلدهم ولكن مذهبهم لم ينقل ولم يشتهر كما نقلت مذاهب الأربعة فقلت ان كان مرادك ان الحنفية والشافعية لم ينقلوه فمسلم ولكن لا يضرنا لأنا لم ننقل مذهبهما أيضا والشافعية لم ينقلوا مذهب أبي حنيفة وبالعكس، وكذا باقي المذاهب وليس ذلك طعنا فيها عندكم. وان كان مرادك انه لم ينقله أحد من المسلمين فهذه مكابرة محضة لان شيعتهم وكثيرا من أهل السنة وباقي الطوائف قد نقلوا أقوالهم وآدابهم وعاداتهم واعتنى الشيعة بذلك أشد الاعتناء وبحثوا عن تصحيح الناقلين وجرهم وتعديلهم أشار البحث وهذه صحاح أحاديثهم وكتب الجرح والتعديل عندهم مدونة مشهورة بينهم لا يمكن انكارها وعلماء الشيعة وان كانوا أقل من علماء السنة ولكن ليسوا أقل من فرقة من فرق المذاهب الأربعة خصوصا الحنابلة والمالكية فان الشيعة أكثر منهم يقينا ولم يزل بحمد الله علماء الشيعة في جميع الأعصار اعلم العلماء وأتقاهم وأحذقهم في فنون العلم اما في زمان الأئمة الاثني عشر فواضح انه لم يساوهم أحد في علم ولا عمل حتى فاق تلاميذه بغزارة العلم وقوة الجدل كهشام بن الحكم وهشام بن سالم وجميل بن دراج وزرارة بن أعين ومحمد بن مسلم وأشباههم ممن قد عرفهم مخالفوهم في المذهب وأثنوا عليهم بما لا مزيد عليه واما بعد زمان الأئمة فمنهم مثل بني بابويه والشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى وأخوه وابن طاوس وخواجة نصير الدين الطوسي وميثم البحراني والشيخ أبي القاسم المحقق والشيخ جمال الدين بن المطهر الحلي وولده فخر المحققين وأشباههم من المشايخ المشاهير الذي قد ملأوا الخافقين بمصنفاتهم ومباحثهم ومن وقف عليها علم علو شانهم وبلوغهم مرتبة الاجتهاد وقوة الاستنباط وانكار ذلك اما لتنصب أو جهل فقد لزمك القول بصحة مذهبنا وأرجحية من قلدنا بل يلزم ذلك كل من وقف نفسه على جادة الإنصاف ولا يلزمنا القول بصحة مذهبك لأنا قد شرطنا في المتبع العصمة فنكون نحن الفرقة الناجية اجماعا وأنتم وان لم تقولوا بصحة مذهبنا ولكن يلزمكم ذلك بحسب قواعدكم للدليل المسلم المقدمات عندكم إذ سبب نجاتكم انكم قلدتم مجتهدا وهذا بعينه حاصل لنا باعترافكم مع ترجيحات فيمن اتبعناه لا يمكنكم انكارها فبهت ولم يجب بشئ، ولكن عدل عن البحث وقال اني سائلك عن قولكم في أكابر الصحابة وأقربهم من رسول الله ص الذين نصروه بأموالهم وأنفسهم حتى ظهر الدين بسيوفهم في حياته وبعد موته حتى فتحوا البلاد ونصروا دين الله بكل ما أمكنهم والفتوحات التي فتحها الخليفة الثاني لم يقع مثلها في زمن أحد من الخلفاء وهي أكثر من الفتوحات التي وقعت في زمن النبي ص كمصر والشام وبيت المقدس والروم والعراق وخراسان وعراق العجم وتوابع ذلك مما يطول شرحه ولا يمكن انكاره كما لا يمكن انكار قوته في الدين وسطوته وشدة بأسه واني إذا نظرت في أدلتكم وجدتها واضحة قوية وإذا نظرت قولكم في أكابر أصحاب رسول الله ص وخواصه الذين سبقوا في الاسلام وكانوا من المقربين عنده حتى تزوج بناتهم وزوجهم ببناته ومدحهم الله في كتابه بقوله تعالى محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا إلى آخر الآية فإذا رأيت ذلك نفرت نفسي وجزمت بفساد مذهبكم فقلت له ليس في مذهبنا وجوب القدح في أحد منهم وإنما قد يقع ذلك من عوام الناس المتعصبين وأما علماؤنا فلم يقل أحد منهم بذلك، وأقسمت له أنه لو عاش أحد ألف سنة وهو يتدين بمذهب أهل البيت ويتولاهم ويبرأ من أعدائهم ولم يقم منه ما قلت لم يكن مخطئا ولا في إيمانه قصور، فتهلل وجهه، فقلت له: فإذا ثبت عندك غزارة علم أهل البيت واجتهادهم وعدالتهم وترجيحهم على غيرهم فهم أولى الاتباع فتابعهم، فأقل أشهد اني متابع لهم، لكني لا اقدح في الصحابة فقلت له لا تقدح في أحد منهم ولكن ان اعتقدت عظم شان أهل البيت عند الله ورسوله فما تقول فيمن عاداهم وآذاهم؟ فقال انا برئ منه. وأشهد الله وملائكته ورسله انه محب لهم ومتابع وبرئ من أعدائهم، وطلب مني كتابا في فقههم فأعطيته المختصر النافع. وتفرقنا إلى أن قال: فقلت له في ليلة أخرى ما تقول في الصحابة الذين قتلوا الخليفة الثالث؟ فقال إن ذلك وقع باجتهادهم وانهم غير مأثومين وقد صرح أصحابنا بذلك فقلت له ما تقول في الصحابة الذين حاربوا عليا يوم الجمل وقتل في حربهم من الفريقين نحو ستة آلاف؟ وما تقول في الذين حاربوه في صفين وقتل من الفريقين نحو ستين ألفا؟ فقال كالأول، فقلت: هل جواز الاجتهاد مقصور على فرقة من المسلمين دون فرقة، فقال لا، كل أحد له صلاحية الاجتهاد فقلت إذا جاز الاجتهاد في قتل أكابر الصحابة وقتل خلفاء المسلمين وحرب أخي رسول الله ص وابن عمه وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين اعلم الخلق وأزهدهم وأقربهم من رسول الله ص ووارث علمه الذي قام الاسلام بسيفه ومن اثنى عليه الله ورسوله بما لا يمكن انكاره حتى جعله الله ولي الناس كافة بقوله تعالى: انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا يعني علينا بالاجماع وقال النبي ص: من كنت مولاه فعلي مولاه، انا مدينة العلم وعلي بابها، اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأشباه ذلك مما يطول تعداده فلم لا يجوز