العلماء في شروطها وصار يقيمها ويأتم به خلق كثير ثم فوض إليه منصب شيخ الاسلام وهو أكبر منصب ديني وتصدى للشرعيات والقضاء بالنيابة في ممالك خراسان عموما وفي بلدة هراة خصوصا وتقلد تلك المناصب بها برهة طويلة وكان يشتغل فيها بترويج الشريعة وتنسيق بقاع الخير وإفادة العلوم الدينية وإفاضة المعارف اليقينية وتصنيف الكتب والرسائل وحل المشكلات وكشف غامض المعضلات إلى أن اشتاق إلى حج بيت الله الحرام وزيارة قبر سيد الأنام وقبور أبنائه الأئمة الكرام عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام فتوجه إلى الحج والزيارة وبعد ما وفق لذلك ذهب إلى بلد الأحساء والبحرين وأقام بها وصاحب علماءها وفضلاءها إلى أن وافاه أجله في بلد البحرين اه. وفي الرياض في قوله انه كان مشاركا ومساهما له في تصحيح الكتب الخ نظر لأنه من مشاهير تلاميذ الشهيد الثاني اه.
وأقول المشاركة والمساهمة له في تصحيح الكتب لأنه كان يقابلها معه وفي تحصيل مقدمات الاجتهاد وكسب الكمال لأنه كان يقرأ عليه فالشيخ يقرئ والتلميذ يقرأ فهما شريكان في تحصيل مقدمات الاجتهاد وكسب الكمال. وبالجملة فهذا الرجل مفخرة من مفاخر جبل عامل فهو لا يقتصر على أن يكون فقيها بارعا ومحدثا جامعا حتى تصبو نفسه إلى السفر مع شيخه الشهيد الثاني إلى عاصمة ملك العثمانيين واخذ التدريس في أحد مدارس المدن العثمانية ويسافر في البلاد ويدخل بعض علماء حلب في مذهب أهل البيت بحجته البالغة ثم لما وقع على شيخه ما وقع من القتل الفظيع بسبب التعصب الديني الشنيع الذي أوجب الخوف والاستذلال في علماء بلاده لم ترض نفسه بتحمل ذلك فهاجر باهله وعياله وأولاده إلى بلاد إيران ولم تمنعه الغربة عن أن يكون المقدم على علماء تلك البلاد أول وروده إليها فيسند إليه أكبر منصب ديني فيها ويكون معظما إلى الغاية عند ملوكها وأمرائها وعلمائها وان يختاره ملكها المسلط الواسع المملكة لمشيخة الاسلام في عاصمة ملكه قزوين فيقيم فيها سبع سنين يدرس ويعظ وينشر علوم أهل البيت ولا بد ان يكون تعلم الفارسية لسان أهلها وأتقنه حتى يتيسر له ذلك ويقيم صلاة الجمعة المتروكة ثم يختاره لمشيخة الاسلام في المشهد المقدس الرضوي أحد مدن إيران الكبرى ثم شيخنا للاسلام في هراة عاصمة بلاد الأفغان بعد فتح الصفوية لها وما اختاره لذلك الا لما رأى فيه من الكفاءة التامة لارشاد أهلها وجلهم على غير مذهب أهل البيت وغير خفي حراجة مثل هذا الموقف فيتمكن ببراعته وسعة علمه وقوة معرفته من تأدية هذه الرسالة على أكمل وجه فيقيم فيها ثمان سنين ثم يفارقها ويترك تلك المناصب زهدا في الحياة الفانية وهي من أنزه بلاد الله وأجملها وأكثرها خيرات كما يدل عليه وصف البهائي لها في أرجوزة تأتي في ترجمته ويعزم على مجاورة بيت الله الحرام وما كان طلبه للرخصة في الحج الا بهذا القصد فقد جرت العادة بان من يريد ترك خدمة السلطان يتعلل بالحج فيطلب الرخصة فيه حيث لا يمكن ان لا يأذن له لئلا يقال انه يصد عن حج بيت الله فيحج ثم لا يعود وفي عصرنا كان من يريد ملوك إيران تبعيده من العلماء يقولون له صار لك مدة لم تحج فلو ذهبت إلى الحج فيعلم انه مبعد بصورة مجملة فيذهب للحج فإذا أراد العودة لم يرخصوه ثم يعدل المترجم عن هذا العزم ويسكن بلادا على الضد مما كان فيه فيسكن البحرين بلد الفقر والفاقة كجبل عامل لطيف يراه ويستدل منه على أن سكناها أقرب لمرضاة الله ولم يكتف بذلك لنفسه حتى طلب الرخصة لولده وحاول أن يحمله على مثل ذلك وكتب إليه في ذم سكني إيران ليس ذلك الا زهدا في الدنيا وحبا بالعزلة والا فلم يلق هو وولده في إيران الا كل تعظيم واكرام. ان رجلا كهذا لهو قوي الإرادة ماضي العزيمة حاكم على شهوة نفسه قبل ان تحكم عليه ولم تشغله هذه الحالات عن أن يصنف ويؤلف المؤلفات النافعة ويستنسخ كتب الحديث بيده ويقابلها بنفسه وكان ما كتبه المترجم إلى ولده البهائي بقي في مخيلته وانطبع في نفسه فلم تمض مدة طويلة حتى ترك الرياسة العظيمة وفارق إيران ولعله كان ذلك برخصة الحج وساح في الدنيا ثلاثين سنة بزي الدراويش وتحمل مشقة الاسفار على تلك الصفة وشظف العيش ليس سنة أو سنتين بل ثلاثين سنة وهو يقول في كشكوله تبرما بما هو فيه من الرياشة لو لم يأت والدي إلى بلاد إيران لما ابتليت بصحبة السلطان. ويأسف على أن لا يكون عيشه كعيش شيخ والده الشهيد الثاني الذي يحرس كرمه في الليل ويحضر إلى الدرس نهارا ويبني داره بيده وكعيش شيخ الشهيد الثاني الشيخ علي الميسي الذي يحتطب بنفسه ليلا له ولتلاميذه كل ذلك يدلنا على زهد هؤلاء في الدنيا الفانية وانصراف انظارهم إلى الدار الباقية.
وقد أصاب علماء جبل عامل في عصر الملوك الصفوية لا سيما عصر الشاه عباس الأول وعصر الشاه طهماسب الذي ملك أربعا وخمسين سنة حظا عظيما فكانوا شيوخ الاسلام في هذه الدولة في أهم مدنها وكان هذا المنصب أعظم منصب علمي ديني وقال صاحب الرياض وأمل الآمل ان معناه قاضي القضاة وفوضت إليهم الاحكام وشؤون الدولة الدينية وأطيعت أوامرهم وكان إلى جملة منهم القضاء والإفتاء وكفى ان الشاه طهماسب يأمر وزيره بالزام ابنه خدابنده محظور درس المترجم له ووعظه كل جمعة، وذلك كالمحقق الكركي وولده والشيخ علي المنشار والمترجم وولده البهائي والسيد حسين بن حسن الموسوي الكركي والسيد حسين بن حسن الأعرجي الحسيني الكركي والسيد حسين بن حيدر الحسيني الكركي ومحمد ابن الحسن بن الحر وغيرهم ممن ذكرنا أحوالهم واعتلاء شانهم في إيران، ومما سمعت تعلم اجتهاد الملوك الصفوية في اركام العلماء وتأييد المذهب الجعفري والدعاية إليه، وتعيين والد البهائي لمشيخة الاسلام بهراة بعد فتحها وفي غيرها قبل ذلك دليل على ما ذكرناه.
أحواله واخباره علاقته بالشهيد الثاني وسفره معه إلى اسلامبول كان مواطنا للشهيد الثاني في جبع وقرأ عليه وتخرج به وصاحبه في سفره إلى اسلامبول سنة 952 لطلب تدريس مدرسة من المدارس وكانت لهذه المدارس أوقاف يقبضها المدرسون ويأخذون بذلك مرسوما من السلطان العثماني في اسلامبول فذهبا جميعا برا من طريق حلب إلى اسلامبول ووصلا إلى حلب يوم الأحد 16 المحرم سنة 952 وأقاما بها إلى 7 صفر من السنة المذكورة ثم ارتحلا إلى اسلامبول فوصلا في 17 ربيع الأول منها فاخذ الشهيد الثاني تدريس المدرسة النورية ببعلبك والمترجم تدريس مدرسة في بغداد وأقاما في اسلامبول ثلاثة أشهر ونصفا وخرج الشهيد منها يوم السبت 11 رجب سنة 952 إلى اسكدار وأقام بها ينتظر وصول صاحبه الشيخ حسين بن عبد الصمد لأنه احتاج إلى التأخر عنه تلك الليلة قال الشهيد الثاني ومن غريب ما اتفق لي حينما نزلت باسكدار أني اجتمعت برجل هندي له فضل ومعرفة بفنون كثيرة منها الرمل والنجوم فقلت له ان قاضي العسكر أشار علي بان أسافر يوم الاثنين وخالفته وجئت في يوم السبت حذرا