وأنت خبير: بأن الأخبار والآيات في الطائفة الأولى، ربما كانت في موقف ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ضرورة أن الراضي بفعل قوم يكون تاركا لما هو الواجب عليه، وهكذا كانت قصة قوم شعيب.
وأما الثانية: فهي لا تفيد حرمة التجري إلا بالقياس، ضرورة أن المفروض فيها قصد المعصية.
هذا مع أنها معارضة بخلافها (1)، ومع أن لازم ذلك أن يكون في مورد المعصية عقابان، ومن شاء تفصيله فعليه بالرجوع إلى " الرسائل " للشيخ (قدس سره) (2) مع أنها لا تخلو من مناقشات، إلا أنه من مراجعتها يظهر أن إمكان استفادة حرمة التجري على الوجه المدعى في المقام، مسدود جدا.
ثالثها: أن التجري قبيح، وكل قبيح يستحق عليه العقوبة عقلا، فالتجري يستحق عليه العقوبة، ثم بعد ذلك نقول: إن العقوبة على القبيح مما يحكم به العقل، وكل ما يحكم به العقل يحكم به الشرع، فالعقوبة على القبيح مما يحكم به الشرع، فيكون التجري مما يعاقب عليه شرعا. ولا نعني من " الحرمة " إلا الممنوعية الشرعية، واستحقاق العقوبة شرعا على فعل شئ.