العقلاء المرضية التي بمرأى ومنظر من الشرع، ليست إلا بناءات عملية، وهي لا تزيد على الواسطتين، أو الثلاث، وربما يمكن ردعها إذا كانت على الأكثر. وما بين أيدينا من الأخبار غير معلوم حجيتها بالبناء العرفي، وما هو الثابت به غير ذلك (1)، وقد مر منا المناقشة فيه من جهة أخرى (2).
وأما تنقيح المناط وإلغاء الخصوصية، فهو محل خلاف بين الأعلام، لاختلاف النفوس في ذلك مع أن في صورة كثرة الوسائل لا يمكن تنقيح المناط وإلغاؤها، لأن الخبر حينئذ أبعد عن الواقع بالضرورة.
فبالجملة: الدليل الوحيد قاصر عن شمول الوسائط.
وأما ما في " تهذيب الأصول ": " من أن العقلاء يحتجون بما وصل إليهم بوسائط كثيرة، أكثر مما هو الموجود عندنا " (3) فهو لا ينفع، لأن احتجاج العقلاء ما دام لم ينضم إليه الرضا لا يفيد.
فما هو الحل لهذا الإشكال ما عرفت منا: من أن في خصوص هذه الأخبار الموجودة بين أيدينا، ينهض دليل الحجية، لأنها أخبار شخصية كانت بين أيادي الرواة إلى أن وصلت إلى عصر التأليف، فصارت مضبوطة في كتبهم، وكانوا يحتجون ويعملون بها بعد مراعاة شرائط العمل (4)، فلا ينبغي الخلط بين خبر يحكى لنا في اليوم بوسائط كثيرة راجعة عن موضوع في عصر إسماعيل وإبراهيم (عليهما السلام) وبين هذه الأخبار التي كانت يحكيها الرواة أولا بلا واسطة، ثم صارت مع الواسطتين، ثم صارت مع الوسائط الثلاث، إلى الأربع، والسبع، والتسع أحيانا، فإن