وعلى كل تقدير: يمكن أن يكون هذا النحو من الدعاوي الواضحة في كلامهما موجبة لإشكال آخر على إمكان نيل الاجماع جدا، فلا تصل نوبة البحث إلى حجية المنقول، لما عرفت أن الاجماع المنقول ليس إلا نقل الاجماع المحصل، فلو كان الاجماع المنقول نقل السنة غير الواضح عمل الأصحاب بها كلهم، فلا يكون حجة، لأن الإشكالات التي ذكرناها ودفعناها، غير قابلة للدفع في هذه الصورة بالضرورة.
فبالجملة تحصل: أن إجماعات السيد والمفيد وأضرابهما، غير حاكية عن السنة المعمول بها عند الكل، ولا عن اشتهار الحكم عند الكل، لامتناع نيلهم ذلك، فتكون محمولة على المسامحة، أو غيرها، فلا تكون حجة، لأجل عدم وجود له، لا لأجل عدم تمامية الكبرى، فلا تخلط جدا.
والذي يمكن أن يقال حلا لهذه العويصة: هو أن من اتفاق الأكابر في الكتب الموجودة بين أيدينا، يصح الحدس بأن ذلك الحكم، رأي عام لكل فقيه في ذلك العصر، ويكون حدس ناقلي الاجماع أيضا مستندا إلى ذلك، فيتمكن المتأخرون من تحصيل الاجماع، وهكذا القدماء، ويكون وجهه واحدا. إلا أن حدس المتأخر لو كان موجبا لوثوقه وقطعه فهو، وإلا فحدس ناقل الاجماع - ولو كان من القدماء - غير كاف، إلا إذا حصل منه الوثوق، وقد عرفت منا فيما مضى مناقشة في حجية مطلق الوثوق والاطمئنان (1)، فلا تغفل.