الحقيقة إلى تفويت المصلحة التي يجب جلبها، وإلى الإلقاء في المفسدة التي يحرم الإلقاء فيها، ضرورة أن الشرع في تقنينه القوانين النفسية والطريقية، يراعي الجوانب المختلفة، فإذا لوحظت تلك الجوانب، ووقع بينها الكسر والانكسار، يشرع قانونا مطابقا لما هو المصلحة الحاصلة من الكسر والانكسار، فلا يكون بالنظر إليه تفويت، ولا إلقاء.
نعم، بالنظر إلى حال الآحاد والأفراد تفويت وإلقاء، ولكن يجوز للشرع أن يراعي جانب النوع. بل لا يجوز أن يراعي جانب الفرد، لما فيه الشر الكثير بالقياس إلى النوع، فخير الكثير بالنسبة إلى الفرد بفداء الشر الكثير بالنسبة إلى النوع.
وهذا أمر دارج ورائج بين العقلاء، وفي جميع القوانين والأعمال الكلية. بل في الأفعال الجزئية أيضا تراعى هذه الملاحظات، فضلا عن الأعمال العامة وضرب القوانين الكلية، فافهم واغتنم جيدا.
وعلى هذا يدور ما في بعض الأخبار أحيانا: من أن مسألة نجاسة العامة، من الأحكام المودعة لدى صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه (1)، ونجاسة الحديد كانت فيها العسر (2)، فاعتبر طهارته. وفي ذلك إعجاز وإخبار بالغيب، فإن الحديد في العصر الجديد صار كثير الابتلاء، ولم يكن هكذا في العصور السالفة، كما لا يخفى، وغير ذلك.
ولولا أن هذا الوجه يرجع إلى عدم فعلية الأحكام الواقعية عند الخطأ، وأن ابن قبة استشكل على هذا المعنى بقوله: " يلزم تحريم الحلال وبالعكس " مثلا، وأنه مخالف لما هو المدعى عليه الاجماع: من الاشتراك بين الأحكام الواقعية لجميع الطبقات من العالمين والجاهلين، لكان وجها تاما خاليا من جميع الإشكالات،