والأحكام المشروعة على العناوين الثابتة على الكل إلى يوم القيامة، وعند التخلف يلزم المحذوران الممنوعان في حقه تعالى.
وأما في القوانين العرفية، فربما تغفل المحاكم القانونية عن تبعات قوانينهم، وعن هذه المحاذير، ولا يتوجهون، ولا منع من الالتزام بهما في حقهم، كما ترى.
ثم إن الأشعري لا يلتزم بهذا اللازم، لما يقول: بأنه لا واقع إلا ما يصل إليه المجتهدون، فلا تفويت، ولا إلقاء.
وأما المعتزلة فيقولون: بأن الأصول والأمارات الواصلة المصيبة للواقع، لا تستلزم المحذورين، وأما غير الواصلة والخاطئة، فلا واقع في تلك الصورة إلا ما أدى إليه نظر المجتهدين، فلا إلقاء ولا تفويت. وظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم عندهما.
وأما الإمامية القائلون بانحفاظ الأحكام في صورتي الإصابة والخطأ، فقد وقعوا صرعى، فهرب كل مهربا:
فربما يقال كما في " الرسائل " وغيره: " إن المصلحة المفوتة والمفسدة المبتلى بها، منجبرة بتبعية الطرق والأوامر الطريقية " (1) وهذا هو المعبر عنه ب " المصلحة السلوكية " ويكفي احتمال ذلك لحل الغائلة والأخذ بالأدلة الناهضة على حجية الأمارات وغيرها.
وفيه: أن هذه المصلحة إن كانت راجحة، يلزم أن يكون الواجب النفسي بحسب الواقع، هو تطرق الطرق.
وإن كانت مساوية، يلزم الوجوب التخييري بحسب الواقع، فيكون بعد اعتبار الشرع تلك الطرق، حكم واقعي آخر على النحوين المزبورين.